: آخر تحديث

رجاء عالم.. الروائية السعودية

3
3
3

ناهد الأغا

سرد شفيف يوشم على جدار اللغة؛ برق يضيء به الحبر؛ يتلوى ببراجم امرأة تمسك بتلابيب الحرف. فهنا دهشة تنتزع عنوة من القارئ وبكل ما أوتي من حب يبلغ المدى شغفا؛ وهناك توق يطفح انعتاقا يتتبعه عشاقه غبطة؛ تحقن أرواحهم فتنعشها.

هذا الترف يحدث عندما تأتي السطور جاثية على ركبها طوع كاتب متميز؛ روائي باعه في الإبداع يصعب قياس طوله؛ أو شاعر يركب بساط خياله ليحلق عالياً كأنه الضياء في سفر القوافي. إنها فلسفة الإبداع التي يخطها المتفردون في ربيع البلاغة فيمتطي كل حسب طموحه الشامخ وبلا جموح صهوة حرفه ليفيض بيانا يروي صحارى الروح فيحييها من جديد.

وفي ثنايا الأدب الذي يقبل عليه بشغف متذوقو الجمال؛ يطالعنا اسم لمع في عالم الرواية فتألق حد التميز... إنها الروائية السعودية والكاتبة المسرحية «رجاء عالم» التي رسم رقي أدبها وحضورها المبهر طريقها نحو المجد.

«رجاء عالم» التي تميزت أعمالها بمسحة يلتقطها ذلك القارئ الحذق بما وراء السطور... الروائية العاشقة حد النخاع لمدينتها مكة المكرمة ودليل ذلك أنها سئلت بإحدى المقابلات الصحفية السؤال التالي:

لماذا تستحضرين مجدداً مكة؛ مسقط رأسك؛ في روايتك «باهبل مكة» وكانت قد حضرت من قبل في «طوق الحمام»؛ وقبلها في كتاباتك المسرحية؟ فكان جوابها شافياً بما فيه الكفاية كالتالي:

لكأنك تسألينني: لماذا ولدت في مكة؟ المدينة الأولى في حياة الإنسان هي البصمة الأولى أو المهد الذي تلقى الشعلة التي هي روحه؛ ومن تلك الأرض اغتذت الشعلة ومن نورها تتوهج... مكة لا تترك مجالاً للموت؛ لأنها تظل تتقد في داخلي وتصوغ رؤيتي للعالم... هي أشبه بمرشح يرشح ما تلقاه؛ في كل مرة أنهيت فيها كتابا عن مكة أقول لقد فرغت؛ هذا كل ما لدي لأقوله عن هذا المحيط المقدس؛ لكن ومن حيث لا أدري تتحرك أصابعي بالكتابة؛ وأجد مكة تقول وتروي عني... في وسعك القول إنني ممسوسة بهذه البقعة من الوجود؛ فمكة هي التي تقول وتكتب عني كل أعمالي حتى الآن.

الروائية والكاتبة المسرحية السعودية «رجاء عالم» تعد من أهم ممثلات الأدب التجريبي في المملكة؛ وهي من رائدات الأدب النسوي السعودي... أول امرأة عربية تفوز بجدارة بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» وعلى مستوى المملكة الثانية بعد الروائي السعودي «عبده خال».

هي كما ذكرنا أعلاه منغمسة حد العشق في العمق الروحي والتاريخي والجغرافي لمكة المكرمة حيث كرست جل عالمها السردي في الغوص بقداستها... حازت على 9 جوائز إبداعية في المملكة وبقية الدول؛ مثل إسبانيا وفرنسا وكندا والكويت؛ ونشرت حوالي 18 كتابا تنوع محتواها بين التأليف الروائي والمسرحي؛ وترجمت بعض أعمالها إلى اللغتين الإنجليزية والإسبانية. اتخذت القرار بأن تسلك طريق الرواية بعد تخرجها من جامعة الملك عبد العزيز ونيلها درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية حيث كانت باكورة رواياتها وأولها «أربعة صفر» عام 1982؛ كتبت في الملحق الثقافي في صحيفة الرياض... ولأنها تسعى لتفعيل دور المرأة ورفع مستوى المعرفة والوعي لديها أسست مع شقيقتها «شادية عالم» مركزهما الثقافي في مكة المكرمة. ولعل أبرز ما تستوقفنا روايات رجاء عالم ومؤلفاتها الإبداعية على مدى 29 عاما وأهمها:

«طريق الحرير»؛ «سيدي وحدانه»؛ «حبى»؛ «موقد الطير»؛ «ستر»؛ «خاتم»؛ ورواية «طوق الحمام».

وكان لها في الأدب المسرحي ثلاثة مؤلفات؛ هي: «ثقوب في الظهر»؛ «الرقص على سن الشوكة» و»الموت الأخير للممثل».

أما بشأن أعمالها المشتركة فكانت أبرزها مع شقيقتها «شادية عالم» حيث كونتا مع بعضهما ثنائياً فنياً وثقافياً مميزا؛ وكانت عصارة أعمالهما تأليف كتاب «مسرى يا رقيب»؛ «عين جاه»؛ «جنيات لار» ... ومع آخرين هناك روايتان صدرتا باللغة الإنجليزية مع الكاتب «Tom Mc Donough» عنوانهما: «Fatma» «My thousand and one nights» وهناك عمل مشترك يتضمن مجموعة صور فنية مع المصورة الأمريكية «ويند ايوالد».

والجدير ذكره أنه فضلاً عن فوز رجاء عالم بالبوكر كأول امرأة سعودية وعربية؛ إلا أن المميز أنه ولأول مرة في تاريخ الجائزة يحدث الفوز بالمناصفة بروايتها «طوق الحمام».

ولعل البصمة التي ميزت العمل جعل مكة المكرمة مركز الإبداع السردي في ثنايا الرواية؛ وقبلها في فكر «رجاء عالم» الإبداعي حيث حلقت لترسم مشهداً متفرداً لاغية من خلاله جميع الفواصل بين الخيال والواقع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد