: آخر تحديث

وردة على باب كنيسة في دمشق

3
3
3

سليمان جودة

بَدت الصور المنشورة من داخل كنيسة مار إلياس السورية وكأن المكان كان مسرحاً لمعركة حربية، دمرت كل ما صادفته في طريقها، ولولا أن الدنيا كانت منشغلة بالضربات الإسرائيلية - الإيرانية لكان الهجوم الذي تعرضت له الكنيسة قد أخذ نصيبه العادل في تغطيات الصحف ووسائل الإعلام.

وقد أوقع الهجوم 25 قتيلاً، وأصاب 63، وكان القاتل قد تسلل إلى الكنيسة ففتح النار على الحاضرين ثم أطلق على نفسه النار، فسقط مع القتلى في المكان، ولأن الثاني والعشرين من الشهر كان يوافق يوم الأحد فإنه كان يوماً جرى اختياره عن قصد لتنفيذ العملية، لأنه من الطبيعي أن تكون الكنيسة ممتلئة بروادها في مثل هذا اليوم، ولأن أعداد الضحايا بالتالي ستكون كبيرة ومؤلمة.

وقد أعلنت وزارة الداخلية السورية أن تنظيم داعش هو منفذ العملية، وأن القاتل ينتمي إلى التنظيم، وأن انخراط داعش في عملية كهذه لن يُضعف من موقف السوريين الرافض لكل عنف، والمقاوم لكل إرهاب، والمصمم على ألا يسمح لأحد بأن يجرّه إلى طريق التطرف، أو يُبعده عن الذهاب إلى مستقبل يليق بأهل الشام.

ليست هناك جهة في أرض العرب إلا وأدانت الحادث فور وقوعه، وليست هناك دولة عربية إلا وأعلنت رفضها، ليس فقط للعملية وللفكر المتطرف الذي يقف وراءها، وإنما أعلنت وقوفها مع سوريا القيادة، وسوريا الشعب.

الذين يتابعون الأمر في سوريا منذ سقوط نظام حكم بشار الأسد يلاحظون، لا بد، أن هناك محاولات مستميتة لشد السوريين إلى الوراء، ولأنها محاولات مستميتة فإنها لا تمل ولا تيأس، ولا تكاد تخرج من الباب حتى تكون قد عادت من الشباك، ولا تواجه الفشل والإخفاق في مكان، إلا وتذهب لتجريب حظها في مكان آخر.

ولكن من سوء حظ الفكر المتطرف أن سوريا تحظى منذ سقوط الأسد بدعم عربي واسع، وتجد مساندة من أشقائها العرب على نحو لم يكن متاحاً في أيام الأسد، وهذا سوف يؤدي بالتأكيد إلى وجود حائط صد في مواجهة كل مَنْ يحاول إبعاد الدولة السورية عن معركتها، التي تنتظرها في البناء مرة، وفي التنمية مرة ثانية.

ومن حسن الحظ في المقابل أن الخطاب السياسي للسلطة الجديدة خطاب سياسي معتدل في مجمله، وأنه لا يقصي أحداً من السوريين، وأنه يعلن دائماً أن سوريا للكل من أبنائها، وأنه لا فرق بين طوائف المجتمع، وأن الجنسية السورية ترتفع مظلةً فوق الجميع، وأنه لا تفرقة بين سوري وسوري على أي أساس مما كانت التفرقة تجري على أساس منه في زمن مضى.

هذه الروح يستطيع المتابع للأحوال في أرض الشام أن يجدها ظاهرة في كل خطاب سياسي صادر عن الرئيس أحمد الشرع، أو عن وزير خارجيته أسعد الشيباني، أو عن الحكومة السورية بوجه عام في العاصمة دمشق.

هذا وحده ولا شيء سواه كفيل بقطع الطريق على صاحب الفكر الذي هاجم المصلين في كنيسة مار إلياس، وهذا وحده كفيل بألا يدع مكاناً بين السوريين لكل صاحب فكر داعشي، وكفيل بأن تكون سوريا للسوريين كلهم عملاً وقولاً معاً، أما كل صاحب ضمير حُر في سوريا، أو في المنطقة، أو في العالم، فمدعو إلى أن يضع من مكانه وردة على باب كنيسة مار إلياس في دمشق، لعل ذلك يخفف من بعض ما يشعر به الإخوة المسيحيون في أرض الشام من الألم والوجع، فليس أشد ألماً من أن يستهدف العنف أحداً في دار عبادة، وليس أوجع من أن يضرب التطرف قوماً جلسوا يرفعون أياديهم إلى السماء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد