: آخر تحديث

سيد الألق... عدو القلق!

3
3
3

كيف تسللت مرة أخرى خلف كل الخطوط من دون أن يرصدك الرادار؟ كيف عبرت فوق توقعاتنا من دون استشعار؟ وكيف غادرت من دون استئذان وأنت سيد الكياسة والألق... ما قطعت حبل ود، وما أدرت ظهرك حتى للذين أرادوا افتعال الشقاق.

صلاح الساير، منذ عرفته وكل شيء يتعلق به كان مختلفاً و«خارج الصندوق». الرجل اللانمطي الكاره للأفكار المعلبة والآراء المتحجرة. حتى عندما فتح هاتفاً للسلام تعليقاً على موقف عبرت عنه كتابة قبل ربع قرن شعرت لوهلة أنني في برنامج الكاميرا الخفية. أخبرته لاحقاً أنه أربكني لأن اتصاله كان أشبه بعملية اقتحام لكومندوز أكثر منه وسيلة تواصل: «أنت في الكويت ولا نلتقي؟ كتبت بجرأة إنما مثل غيرك تحاول أن تراعي بعض الخرافات والسخافات. أريدك أن تكون أجرأ من ذلك ولا تعطيهم فرصة لإضعافنا. هذا رقمي اتصل علي في أي وقت وحدد موعداً للقاء عاجل».

وبعدما أنهى المكالمة كان لا بد أن أعيد الاتصال به خلال لحظات فبادرني: «قلت لك أن تتصل في أي وقت إنما ليس بهذه السرعة» فرديت عليه: «أعتذر جداً وأشكرك على كلامك ونصائحك إنما سامحني هل ممكن أعرف اسمك إذا كان ذلك لا يزعجك؟». أطلق ضحكة رجّ صداها سماعة الهاتف وقال: «أخوك صلاح الساير».

من يومها، وأنا متعب من محاولة اللحاق بمسالك صلاح الساير الفكرية والإعلامية والشعرية الغزيرة ونشاطه المصور. رجل أنعم الله عليه بطاقة وحيوية وقدرات تشعر أنه لا ينام إن لم يستنزفها يومياً حتى الرمق الأخير.

سخريته في السايرزم أحيانا تعطيك انطباعات جدية جداً وفوق الجدية عندما تتلقى الفكرة، وجديته أحياناً تعطيك انطباعات ساخرة جداً بل فوق الساخرة عندما تتلقى الفكرة، والمشكلة أنك عندما تحاوره بحثاً عن مقصده يعلقك في حبال الهواء بين الجد والسخرية وينقلك إلى موضوع آخر ومكان مختلف عبر أسئلة جديدة. المهم أن يتنقل بسرعة الطرفة لمنعك من طرف عين وخسارة بعض الضحك.

غادر الكويت منذ فترة طويلة وما غادر مساحات أصحابه. تستيقظ على تعليق له أو تصحيح أو طرفة ثم يرسل إليك فكرة في غاية العمق والجدية يشغلك فعلاً بتفسيرها أو نقاشها. كنت أقول له دائماً ألا يتأمل تجاوباً سريعاً مني باتجاهات حركته لأنها أسرع من قدراتي، وأعتقد أن الكثيرين من أصحابه كذلك، لكن «الرحالة» لا يتراجع مالئاً الأرض والفضاء بأي لون يخطر على باله أن يرسمه.

يغيب ويعود، ثم يغيب ويعود، من دون أن تتراجع مساحة الحضور. قد يختفي عنك لسنة وأكثر ثم يتواصل معك وكأنه كان يحدثك بالأمس فقط. هذه المرة تسلل خلف كل الخطوط من دون أي رصد راداري وكأنه لا يريدنا أن نحمل هم مرض أو تعب أو حتى السؤال عن الصحة.

سيد الكياسة والألق لم يرد أن نعيش القلق.

ربط العلاقات بحبل الود... وسافر لأنه لا بد مما ليس منه بد.

وداعاً صلاح.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد