خيرالله خيرالله
ليس معروفاً كيف حققت إيران، «نصراً» على إسرائيل وأميركا، خصوصاً إذا نظرنا إلى ما حدث على الأرض. صحيح أن إسرائيل تكبدت خسائر كبيرة في ضوء الصواريخ التي اطلقتها في اتجاهها «الجمهوريّة الإسلاميّة»، لكن الصحيح أيضاً أنّ هزيمة كبيرة لحقت بالنظام الإيراني بعدما أثبتت الدولة العبرية، بدعم أميركي، قدرة على اختراق الأمن الإيراني في طول البلد وعرضه وضرب أي هدف تريده في كلّ انحاء البلد.
معروف، في المقابل، أنّ سماء إيران صارت مستباحة إسرائيلياً وأميركيّاً. أكثر من ذلك، أقامت إسرائيل قواعد عسكريّة في داخل إيران. أطلقت من تلك القواعد صواريخ ومسيرات استهدفت مواقع محددة.
خسرت إيران الحرب قبل أن تبدأ بغض النظر عن الأضرار التي لحقت بمشروعها النووي؟ جاء ذلك بعدما خسرت «الجمهوريّة الإسلاميّة» أدواتها في المنطقة، بدءاً بـ«حزب الله» وانتهاء بالنظام السوري. لم تعد «الجمهوريّة الإسلاميّة» تتحكّم بأربع عواصم عربية (بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء) كما كانت تدعي في الماضي.
لعلّ أوّل ما يكشفه كلام إيران عن «نصر» وعن هزيمة الولايات المتحدة وإسرائيل، أنها تعيش في عالم خاص بها. في كلّ الأحوال، يتبيّن كلّ يوم أن ظلماً كبيراً لحق بإيران بعد سقوطها تحت تأثير نظريات الحكم الحالي والسلطة المطلقة بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه الشعب الإيراني والبلد نفسه.
كان الهدف المعلن للحكم جعل إيران دولة مستقلة عن الشرق والغرب وعن الاستغناء عن الدخل الآتي من تصدير النفط والغاز. بعد كلّ هذه السنوات، أي منذ سقوط الشاه في العام 1979، تعتمد «الجمهوريّة الإسلاميّة» على النفط والغاز أكثر من أي وقت.
كانت إيران، في عهد الشاه، تصدّر نحو ستة ملايين برميل من النفط. كانت بلداً غنيّاً منفتحاً على العالم الحضاري يعيش في شبه وئام مع جيرانه وذلك على الرغم من طموحات الشاه إلى لعب دور «شرطيّ الخليج». هذا دور كان العرب، خصوصاً أهل الخليج، يأملون بأنّ تضع الجمهورية الإسلامية حدّاً له وأن تفتح صفحة جديدة في العلاقة بين العرب والفرس. إذا به يرفع شعار «تصدير الثورة» الذي استهدف حماية النظام عن طريق خلق بؤر توتر في المنطقة العربيّة وتفتيت دولها بدءاً بالعراق.
يمكن إيجاد عذر لبعض القادة في إيران الجهل بما يدور في العالم، بما في ذلك دولة مثل إسرائيل تبيّن أنّها تمتلك أحدث ما في التكنولوجيا العالمية. لكن ماذا عن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي يفترض به أن يكون على علم بما يدور في أوروبا وأميركا وفي بلد عربي مثل لبنان راح ضحية السياسة التوسعيّة لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة» ورهانها على إثارة الغرائز المذهبية. قال عراقجي فيما يشبه الشماتة و«حزب الله» بالذات أن «إيران ليست لبنان وإذا خرق وقف النار سيكون ردنا حاسماً».
خرقت إسرائيل وقف النار مع إيران. تابعت العمليات التي تنفذها في الداخل الإيراني عن طريق طائرات مسيرة. كذلك، تابعت إسرائيل توجيه ضربات إلى أهداف محددة في لبنان. النتيجة واحدة. أن وضع لبنان نسخة عن وضع إيران. في لبنان لايزال «حزب الله» يبحث عن طرف داخلي ينتصر عليه كما فعل في حرب صيف 2006. وقتذاك، انتصر الحزب، وانتصرت معه إيران، على لبنان واللبنانيين بدل الانتصار على إسرائيل. لايزال حالياً لدى الحزب أمل في الانتصار على الدولة اللبنانية في ضوء إصراره على الاحتفاظ بسلاحه. مثل هذا الاحتفاظ بالسلاح، في ظل تهديد بنشوب حرب أهلية لبنانية، سيعني ضمان بقاء دويلة «حزب الله». أي «الدويلة» التي سيطرت في مرحلة ما قبل حرب «إسناد غزّة» على الدولة اللبنانية بعدما دجنتها.
في النهاية، يبدو كلام الإيرانيين الخالي من أي نوع من الواقعية كلاماً للاستهلاك الداخلي الإيراني لا أكثر. كذلك كلام «حزب الله» عن دور سلاحه في حماية لبنان وذلك خلافاً لكلّ منطق.
إيران ليست أفضل من لبنان ولبنان ليس أفضل من إيران. لكن لا أمل بمستقبل أفضل للبنان بوجود سلاح «حزب الله».
من يحمي إيران من البحث عن «نصر» وهمي؟ من يحمي لبنان من وهم سلاح الحزب، وهو في الأصل سلاح إيراني صار موضع شماتة وزير الخارجية في «الجمهوريّة الإسلاميّة»؟