عبدالله خلف
هذا الأبيات قالها تميم بن جميل الخارجي. وحكاية ذلك أن تميماً هذا كان قد خرج على المعتصم، فأسر وأتي به المتعصم، فلما مثُل بين يديه نظر إليه المعتصم، فأعجبه شكله ومشيته إلى الموت غير مكترث به، فاستنطقه المعتصم ليعرف عقله وبلاغته فقال له يا تميم، إن كان لك عذر فأت به، فقال: أما إذا أذن أمير المؤمنين جبر الله به صدع الدين، ولمَّ شعث المسلمين، وأخمد شهاب الباطل، وأنار سبل الحق، فالذنوب يا أمير المؤمنين تخرس الألسنة، وتصدع الأفئدة، وايم الله لقد عظمت الجريرة، وانقطعت الحجة، وساء الظن، ولم يبق إلا العفو أو الانتقام، وأمير المؤمنين أقرب إلى العفو، وهو أليق شيمه الطاهرة، ثم أنشد:
أرى الموت بين السيف والنطع كامناً
يُلاحظني من حيث ما أتلفَّتُ
وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي
وأي امرئ مما قضى الله يفلت
ومن ذا الذي يأتي بعذر وحجة
وسيف المنايا بين عينيه مصْلت
وما جزعي من أن أموت وإنني
لأعلم أن الموت شيء موقت
ولكن خلفي صبية قد تركتهم
وأكبادهم من حسرة تتفتت
فإن عشت عاشوا سالمين بغبطة
أذود الرّدَى عنهم وإن مت موّتوا
كأني أراهم حين أنعى إليهم
وقد لطموا تلك الخدود وصوتوا
فبكى المعتصم، وقال: إن من البيان لسحراً، كاد والله يا تميم أن يسبق السيف العذل، وقد وهبتك لله ولصبيتك، وأعطاه خمسين ألف درهم.