حينما أتحدث عن العلاقات العامة فإنني لا أعتمد على كلام نظري وإنما عن تجربة عملية خلال سنوات عملي في القطاع الحكومي ثم في قطاع يجمع مزايا وأسلوب القطاعين العام والخاص في الوقت نفسه.. ففي القطاع الحكومي منتصف السبعينيات الميلادية كنت مديرًا للعلاقات العامة في وزارة المالية والاقتصاد الوطني وكانت حينها تسمى "أم الوزارات"ولذا تسعى إلى تطوير الأجهزة الحكومية بصورة عامة وبدعم من وزيرها آنذاك محمد أبالخيل تمت الدعوة إلى أول اجتماع لمديري العلاقات العامة في جميع الوزارات وفعلًا عقد الاجتماع وكان النقاش حول الاهتمام بهذا التخصص الذي كان قد بدأ قويًا وخاصة في تنظيم العلاقة بين الأجهزة الحكومية ووسائل الإعلام على غرار الأسلوب الذي أخذت به (شركة أرامكو) في وقت مبكر.
ولكي تحقق تجربة العلاقات العامة في الأجهزة الحكومية -التي كانت جديدة، مزيدا من النجاح والقوة- تمت التوصية بأن ترتبط إدارات العلاقات العامة بالوزير أو وكيل الوزارة لأن ارتباطها بمستوى إداري أقل سيؤثر في مستوى نجاحها.. وفعلًا طبق هذا القرار في بعض الوزارات وأولها وزارة المالية التي كانت تدير الاقتصاد الوطني ما مكّن العلاقات العامة من تنظيم لقاءات مع قادة الإعلام للحديث عن ميزانية الدولة وتحليل مكوناتها بالمشاركة مع مسؤولي الوزارة.
هذا في المجال الحكومي الذي بدأ يختار عناصر متخصصة في العلاقات العامة من المثقفين والكتّاب أما القطاع الخاص فلم يكن هناك اهتمام بالعلاقات العامة واكتفت بعض الشركات بموظف يقوم باستقبال الضيوف وإجراء حجوزات الطيران لهم على اعتبار أن هذه مهمة العلاقات العامة.
وفي الشركة العربية للاستثمار التي تعد كما أشرت مزيجًا بين القطاعين العام والخاص حيث تملكها بعض الحكومات العربية بينما تدار بعقلية القطاع الخاص ومقرها مدينة الرياض فقد تبنت تجربة وزارة المالية الناجحة حيث كانت العلاقات العامة من أهم الإدارات في الشركة وقد كنت أتولى مهام هذه الإدارة ثم تولى هذه المهمة بعد ترقيتي إلى منصب أعلى زميل عزيز لديه جميع صفات رجل العلاقات العامة الناجح وهو حمد بن عبدالرحمن الهذيل، كنا نقوم برسم الخطط وتنفيذها بأسلوب القطاع الخاص ونجحت تلك الخطط في رفع اسم الشركة في جميع الدول العربية التي هي مجال عمل ونشاطات الشركة.
وبعد هذه الإطلالة السريعة على تجربة من تجارب العلاقات العامة في القطاعين الحكومي والخاص، أود الإشادة بالتجارب الناجحة في بعض الوزارات والجهات الحكومية التي اختارت عناصر لديها شغف بهذا التخصص ومقدرة على التطوير والاستفادة من تجارب محلية وعالمية وسبق ذكرت ذلك في مقال نشرته في هذه الجريدة في منتصف 2020 بعنوان "التجربة السعودية في العلاقات العامة".
وأخيراً: قبل الحديث عن المسمى والمفهوم الجديد الذي حلّ محل المسمى القديم للعلاقات العامة. استعرض نبذة تاريخية عن المسمى القديم الذي ظلّ صامدًا لعدة عقود منذ بدأ الأخذ بمسمى العلاقات العامة كعلم وممارسة أواخر القرن الـ19.
ومع تطور وسائل الإعلام واحتياج المؤسسات للتواصل مع الجمهور بشكل أكثر شفافية تطورت العلاقات العامة لتشمل إستراتيجيات تهدف إلى بناء صورة إيجابية للمؤسسات وتعزيز التواصل الفعال مع المجتمع ثم جاء التغير لتكون العلاقات العامة جزءا أساسيا من الاتصال المؤسسي حيث تستخدم التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لتحقيقها.
وبهذا تغير مسمى ومفهوم العلاقات العامة إلى التواصل المؤسسي لكي تكون أكثر شمولية ويغطي كل أشكال الاتصال داخل المؤسسة وخارجها بما في ذلك العلاقات العامة والاتصال الداخلي والإعلام الرقمي وإدارة الأزمات.