: آخر تحديث

«القيم الإنسانية والاجتماعية في الشعر العربي»

4
4
4

ناهد الأغا

لكل مجتمع ركيزة أساسية في بنائه وثباته وتطوره من أجل ازدهاره واصطفافه بين المجتمعات الأخرى، لا شك إنها القيم الإنسانية التي تلد القيم الاجتماعية وتتفرع عنها ولكن بنسب مختلفة في السلوكيات اعتماداً على البيئة والتاريخ والتطورات الضابطة لديمومة تلك القيم أو انتصارها؛ هذه القيم حاك منها الشعراء جُلَّ قصائدهم وجعلوا منها قلادة فائقة الجمال ألبسوها لجيد الزمان وعبروا عنها تعبيراً دقيقاً ورسوخها في المجتمع العربي عبر تطورات العصور المختلفة في الحضارات العربية..

هذه القيم الإنسانية من حرية وكرامة وعدل ورحمة ومساواة وتضامن وتآلف تعطر الشعر بأريجها وعذب نسائمها وروعة بلاغتها وابتعدوا عن كل شيء ضار بالمجتمع فعَلَتْ قيمته ومكانته بين شعوب العالم..

ما تحلَّى به العرب من قيم إنسانية واجتماعيه حافظوا على توارثها من كرم وشجاعة وفراسة ومروءة وشهامة وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف؛ كل هذه الصفات التي تندرج تحت مصطلح مكارم الأخلاق بقيت مخلدة من تراث الأجداد ولا يزال الجيل يعتز بها ويسعى إلى الحفاظ عليها..

أجمل هذه القيم علواً وبرع الشعراء في تقديسها هو القول فيها قولاً ينم عن تمسكهم بها وعدم التنازل عنها قيد أنملة، فقيمة الكرم التي يعرفها الإنسان منذ الأزل وحافظ عليها أصحاب النفوس العظيمة، خير من قال فيها جواد العرب حاتم الطائي ليس إلا تمجيداً لهذه الخصلة في قصائده الرائعة عندما وجه الكلام لزوجته وحثها على الكرم والابتعاد عن أذى البخل والشح فقال:

أماوي إن المال غاد ورائح

ويبقى من المال الأحاديث والذكر

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدر

ولم يتسابق الشعراء العرب لكسب شيء والفوز به أكثر من الكرم فهو أفضل الخصال وأحبها إلى نفوسهم فأشادوا بمن اتصف بها وأجود الناس في رأيهم من جاد عن قلة وصان وجه السائل عن المذلة، فهذا ابن الرومي يعبر بقوله:

رايتك تعطي المال إعطاء واهب

إذا المرء أعطى المال إعطاء مشتر

فلست بمبتاع المحامد باللهى

فتلقى جواداً جوده جود مجبر

هذا المفهوم الأصيل المتأصل والمتجذر في نفس الإنسان العربي لم يختص بعصر من من العصور، بل وجد منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا؛ فالباري جلّ في علاه حث على الكرم ونهى عن البخل على ألا يكون الكرم يصل إلى درجة التبذير لأن ذلك مكروه {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}، في حين يرى الإمام الشافعي أن السخاء يستر عيوب الإنسان ويغطيها فقال:

تستر بالسخاء فكل عيب

يغطيه كما قيل السخاء

ولا ترج السماحة من بخيل

فما النار للظمآن ماء

كذلك الشجاعة كان لها نصيب كبير في الشعر العربي وكأن الشجاعة والكرم عنصران متلازمان لا تخلي عنهما وقد جمعهما جرير في بيت واحد حين قال:

ألستم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

فالذي يحمل القيم الإنسانية بكل تعداداتها يرى نفسه أنه فطر عليها وواجبه الحفاظ عليها وعدم التفريط بها.

هذه الفضائل الإنسانية والقيم الأخلاقية بحر لا حدود له أمواجه عالية يعتليها من تحلَّى بالأخلاق ونثرها درراً ثمينة في ثنايا قصائده، حيث أثبت أن هناك رابطاً عاطفياً ووجدانياً جُبل عليه ومن واجبه الحفاظ عليه والسمو بقيمة الإنسان الذي فضَّله الله على سائر المخلوقات..


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد