عقل العقل
الدولة العميقة البعض يراها من أدوات نظرية المؤامرة، وأنها دولة موازية وخفية للدولة الرسمية، وهذه الدولة الخفية لها أدواتها كأجهزة الجيش والأمن والأحزاب السياسية، التي ترعى مصالح دولها بغض النظر عن الحزب والرئيس الفائز بتلك الانتخابات. ومفهوم الدولة العميقة ظهر في تسعينيات القرن الماضي بتركيا من مجموعة ضباط في الجيش للمحافظة على علمانية الدولة هناك وفقاً لمؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك.
في ثقافتنا السياسية في المنطقة تحيا ويتردد هذا المفهوم من قبل المحللين في وسائل الإعلام المختلفة، وفي أغلب الأحيان يكون الاتكاء عليها هو لضعف الأدوات لفهم الأحداث الجارية في منطقتنا، وفي الغالب مفهوم الدولة العميقة والمؤامرة من الأدوات السهلة لتشريح الواقع ويجد صدى واستجابة من الغالبية من شعوب المنطقة. بعض الاحداث تأتي داعمة لهذا التوجه كما يحدث وحدث في منطقتنا في الأشهر والأسابيع الأخيرة لمشاكل مستمرة عقوداً حلت في أيام دون أدلة واضحة للفاعلين الحقيقين في تلك الأزمات، ما حدث خلال أسبوع في سوريا واقتلع نظاماً قاتلاً وأتى بمجموعات غير متجانسة، بعضها مصنف بقوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية يصب في ما أتحدث عنه. في عقود ماضية كنا نعتقد أن الإدارة الخاسرة في أمريكا مثلاً تورط الإدارة القادمة بقضايا خارجية من باب المناكفات الحزبية الضيقة كما حدث في أزمة الرهائن في الأمريكيين في السفارة الأمريكية بطهران في بداية الثورة الإيرانية التي أدت بشكل غير مباشر لهزيمة جيمي كارتر في تلك الانتخابات وفوز الجمهوري رونالد ريغان وأطلق سراح الرهائن الأمريكيين في يوم أداء وتنصيب ريغان.
ما نشهده اليوم في قضية الحرب على غزة المستمرة منذ خمسة عشر شهراً؛ التي وصلت لطريق مسدود من قبل الإدارة الأمريكية أو عدم جدية منها في الوصول لوقف إطلاق نار ورجوع المختطفين الإسرائيليين، ما يحدث في الأسبوع الأخير من حلحلة هذا الملف أن أمريكا لها مصالحها الاستراتيجية سواء كان بايدن أو ترمب في البيت الأبيض، البعض يرى أن ترمب يملك عصا سحرية لحل مشاكل العالم العالقة من حرب أوكرانيا والنووي الإيراني وقضايا العلاقات مع أوروبا مثلاً، لكن أعتقد أن هالة وصوله تستغل من كل الأطراف الأمريكية لتحقيق مصالح عليا لأمريكا بعيداً عن الحزب الحاكم، وأعتقد أن مثل هذه الضغوط والتهويل والتخويف مشروعة ومجربة بالسياسة وليست جديدةً، وقد يكون لشخصية الرئيس ترمب دور بهذا التضخيم، فتصريحات شراء غرين لاند أو اندماج كندا في الولايات المتحدة الأمريكية تصب في هذا السياق الترامبي، الذي يصعد في خطابه السياسي، ويؤكد أن بلاده لن تدخل في حروب عسكرية لتحقيق أهدافه كما ينادي بذلك، فالاقتصاد هو ملفه الرئيس في كل وعوده وحروبه القادمة، ولنا في وقوفه إلى قضية التوك توك وحظرها في أمريكا، وأنه قد يصدر أمراً تنفيذيّاً لعدم الحظر دلالة على ما تفكر فيه أمريكا المؤسسات الاقتصادية الجبارة ذات التأثير الواضح على الحكومة المنتخبة من خلال مجموعات الضغط المشرعة هناك.