: آخر تحديث

الذكاء الاصطناعي يغزو جائزة نوبل

12
11
11

عبدالرحمن الحبيب

في سابقة من نوعها يبدو أن جائزة نوبل بدأت توسع نطاق تعريف مجالاتها العلمية لتشمل بطريقة أو بأخرى التكنولوجيا وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، فطوال تاريخها كانت جوائز نوبل للعلوم تنحصر في ثلاثة مجالات: الفيزياء والكيمياء والفسيولوجيا أو الطب؛ أو ما يتفرّع من هذه المجالات، أما هذه المرة فقد منحت الجائزة للباحثين البريطاني-الكندي جون هوبفيلد والأمريكي جيفري هينتون لأبحاثهما في مجال «التعلم الآلي» المستخدم في تطوير الذكاء الاصطناعي، ما يعني تدريب أجهزة الحاسوب من خلال شبكات عصبية اصطناعية.

ورغم أن الذكاء الاصطناعي يعد فرع من علم الحاسوب (الكمبيوتر)، إلا أن لجنة جوائز نوبل بررت هذه الخطوة المفاجئة، قائلة في بيان: «لقد استخدم كلا الفائزين بجائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام أدوات الفيزياء لتطوير أساليب تشكّل أساس أنظمة التعلم الآلي القوية اليوم»، مما يعني أن الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم قامت بتوسيع تعريف الفيزياء ليشمل علوم الكمبيوتر، ومنحت موافقتها لاثنين من أسلاف ثورة الذكاء الاصطناعي.

لم يعد الذكاء الاصطناعي خيالاً علمياً كما كان في السابق، بل أصبح حقيقة علمية تحصد الجوائز العلمية، حتى جائزة نوبل للكيمياء لم تخل (أو لم تَسلم) من الذكاء الاصطناعي، إذ منحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024 لثلاثة علماء حققوا إنجازاً غير مسبوق في مجال دراسة البروتينات وتصميمها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وقد فاز بالجائزة كل من العالم الأمريكي ديفيد بيكر، والبريطانيين ديميس حسابيس وجون جامبر.

ثورة الذكاء الاصطناعي تجتاح كل شيء أمامها حاليًا، مما يثير قلق البعض، حتى إن الفائز الدكتور هينتون الذي بدا فخوراً بإنجازه أثناء أسئلة الصحفيين أظهر أيضاً مخاوفه من هذه الإنجازات، فرغم أنه أبدى أمله من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يكون له تأثير إيجابي كبير على المجتمعات من خلال مساعدة العمل العقلي، كما فعلت الثورة الصناعية في مساعدة العمل البدني، إلا أنه كان قلقًا أيضًا، مثل العديد من العاملين في هذا المجال، بشأن كيف أن الذكاء الآلي الذي تفوق على النوع البشري سيستمر في معاملة مبدعيه؛ إنما هو يرى أنه في الوقت الحالي، يتم التعامل مع هذه الإبداعات بشكل جيد للغاية.

يجزم رائد الذكاء الاصطناعي راي كورزويل بأن «التفرد» - أيّ تلك اللحظة التي يتخطى فيها الذكاء الاصطناعي قدرات البشر- بات وشيكًا؛ واستخدم كورزويل قانون مور (الذي يصف التحسن الكبير في التكنولوجيا الرقمية بالدقة الخارقة) لحساب أن الكمبيوتر سوف يكون له نفس قوة المعالجة لدى العقول البشرية بحلول سنة 2029، وبحلول عام 2045 سوف يصل الذكاء الاصطناعي إلى نقطة يصبح عندها قادراً على تحسين نفسه بمعدل يتجاوز كل ما يمكن تصوره في الماضي!

لكن ما هي المشكلة هنا؟ يرى الخبراء أنه إذا كان يمكن مراقبة أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية الضعيفة وإغلاقها وتعديلها بسهولة إن أخطئت التصرف، فإن الذكاء الفائق المبرمج بشكل خاطئ، وبحكم أنه أكثر ذكاءً من البشر في حل المشكلات العملية التي يواجهها خلال السعي لتحقيق أهدافه المبرمجة، ربما يدرك أن السماح بإغلاقه وتعديله، قد يتعارض مع قدرته على تحقيق أهدافه المبرمجة؛ ومن ثم إذا قرر الذكاء الفائق مقاومة الإغلاق والتعديل، فسيكون ذكيًا كفايةً لخداع مبرمجيه بحكم أن قدراته تفوق قدرات البشر، إذا لم يتخذ المبرمجون أي احتياطات مسبقة.

العالم الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل فرانك ويلكزك دعا مع بعض العلماء، بمن فيهم ستيفن هوكينغ، إلى بدء البحث عن حلول لمشكلة التحكم (التي قد تكون صعبة للغاية) قبل وقت طويل من إنشاء أول ذكاء فائق، وزعموا بأن محاولة حل المشكلة بعد إنشاء الذكاء الفائق ستكون متأخرة، لأن الذكاء الفائق المخادع الذي لا يمكن السيطرة عليه قد يقاوم بنجاح الجهود اللاحقة للسيطرة عليه.. وستيفن هوكينج هو القائل: «إن النجاح في إنشاء الذكاء الاصطناعي سيكون الحدث الأكبر في تاريخ البشرية، ومن المؤسف أنه قد يكون الحدث الأخير أيضًا، ما لم نتعلم كيفية تجنب المخاطر».

إذن، السؤال: ما هي الاحتياطات المسبقة التي يمكن للمبرمجين اتخاذها لمنع الذكاء الفائق بنجاح من سوء التصرف بشكل كارثي؟ ذكر نويل شاركي من جامعة شيفيلد أن الحل الأمثل سيكون عندما «يتمكَّن برنامج الذكاء الاصطناعي من اكتشاف متى يحدث خطأ وإيقاف نفسه»، لكنه يحذر من أن حل المشكلة في الحالة العامة سيكون «تحديًا علميًا هائلاً حقًا».. وتقول عالمة الكمبيوتر في في لي «من المرجح أن تتطلب الحلول رؤى مستمدة من مجالات خارج علوم الكمبيوتر، مما يعني أن المبرمجين سيضطرون إلى تعلم التعاون بشكل أكثر تكرارًا مع الخبراء في مجالات أخرى».

«إن القول بأن الذكاء الاصطناعي سيبدأ في القيام بما يريد لأغراضه الخاصة يشبه القول بأن الآلة الحاسبة ستبدأ في إجراء حساباتها الخاصة». أورين إيتزيوني المدير الفني السابق لمعهد ألين للذكاء الاصطناعي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد