قبل ثمانية عشر عاماً ذهبت أنا وعائلتي في زيارة سياحة إلى تركيا، وبعد أن استقر بنا المقام في إسطنبول، انضممت وعائلتي إلى مجموعة سياحية، وبالطبع قادنا المرشد السياحي إلى آيا صوفيا، ومن ثم إلى المسجد الأزرق، وبعض المعالم الأخرى في المنطقة، وبعد انتهاء اليوم السياحي واستقلالنا الحافلة ذكر لنا المرشد أن الجدول لليوم التالي يتضمن زيارتنا لقصر السلطان عبد المجيد.
وفعلاً عدنا إلى الفندق، وفي الصباح الباكر ركبنا الحافلة وذهبنا لقصر السلطان عبد المجيد، وكان قصراً مذهلاً، فما بالك في وقته؟ إذ كان في وقته يعد تحفة معمارية رائعة، وبعد أن تجولنا في ردهات القصر، ورأينا فخامة الفرش والأثاث والثريات الجميلة، وقف المرشد السياحي في منتصف المجموعة وقال: لهذا القصر المنيف قصة سأحكيها لكم، ذلك أنه في أواخر الدولة العثمانية، ومع انتشار الجيوش العثمانية، وإحساس السلطان عبد المجيد ببداية ضعف الدولة العثمانية، كان السلطان عبد المجيد ينوي تقوية الجيش الموجود في البلقان بالمال الذي في خزينة الدولة، وكان مالاً وفيراً، فجمع مستشاريه وأوضح لهم نياته بتقوية الجيش، وصرف المال عليه ليستعد لمجابهة أعداء الدولة في أوروبا، والذين يتربصون بها السقوط.
لكن المستشارين كان لهم رأي آخر، وهو أن الوفود الأوروبية ستأتي لإسطنبول للتفاوض، ومن الأفضل بناء قصر مهيب حتى إذا أتت الوفود ورأت هذا القصر وهو محل اجتماعات الوفود تأخذها الهيبة، وتحس بأن الدولة قوية ومنيعة.
السلطان عبد المجيد أخذ برأي مستشاريه، وتقول الرواية إنه صرف على بناء القصر أربعين طناً من الفضة، وثلاثين طناً من الذهب، وبغض النظر عن صحة المال المصروف، فإن القصر مهيب فعلاً، وتستطرد الرواية أنه صرف على بناء القصر جُلّ ما في خزينة الدولة بدلاً من صرفها على الجيش.
تدرون كم كلف هذا القرار؟ كلف سقوط الإمبراطورية العثمانية، ويقول المؤرخون لو أن هذه المبالغ الطائلة التي صرفت على بناء القصر صرفت على الجيش وتقويته لما سقطت الإمبراطورية العثمانية.
وبالتأكيد ليس هذا السبب الوحيد لسقوط الدولة العثمانية، ولكنه واحد من أهم الأسباب، رغم أن المال المنفق على بناء القصر من خزينة الدولة، فما بالك بالدول التي تعتمد على المعونات والمساعدات وتصرف الأموال على بناء القصور، بدلاً من صرفها على المشاريع الاقتصادية المنتجة، والتي تتيح فرصاً وظيفية لأبناء وبنات الدولة، وتوفر دخلاً لخزينة الدولة بدلاً من إنفاقها على بناء القصور؟ ودمتم.