محمد الرميحي
انتشرت بين المتابعين وثيقة إسرائيلية بعنوان (من نظام قاتل إلى مجتمع عادل: التحول وإعادة بناء غزة بعد حماس)، وقد اشترك في وضع هذه الوثيقة مجموعة من الباحثين في مراكز البحث الإسرائيلية، من الجامعة العبرية، ومركز دايان للبحث، وجامعة تل أبيب، ومركز بيغن السادات، والنص وأسماء الباحثين متاحة على الشبكة الدولية تحت عنوان (https://gaza.yusef.ren/)، لمن يريد أن يقرأ الوثيقة كاملة.
الوثيقة أو الدراسة، وإن وافقت بعض التوجهات للحكومة الإسرائيلية الحالية، إلا أنها في بعض العناوين تختلف معها، ولو جزيئاً، وهي أول مرة تصدر وثيقة فيها من التفكير العلني (لليوم التالي) بعد حرب غزة، وخارج التفكير الرسمي، والذي ما زال غامضاً أو غير معلن.
تصادف نشر هذه الوثيقة، مع زيارة بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، وخطابه أمام الكونغرس، ولقائه مسؤولين كباراً، حاليين، وربما مستقبليين، في حملة علاقات عامة واضحة المعالم.
الوثيقة طويلة نسبياً، نصها العربي المنشور 32 صفحة، ويبدو أنه مترجم إلى العربية من خلال الذكاء الاصطناعي.
الوثيقة في تحليلها، اعتمدت على نتائج تجارب صراعية سابقة في العالم، من بينها ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، وأيضاً اليابان بعد تلك الحرب، وكيف حُول مجتمع (متشدد إلى مجتمع ديمقراطي)، وأيضاً تجارب حديثة، لم تكن ناجحة بشكل فعال، مثل ما حدث في العراق وأفغانستان، وهي تجارب كثيراً ما يعود إليها الأكاديميون للمقارنة بقضايا صراعية أخرى، هي مجرد مؤشرات قد تختلف التفاصيل في عدد من العناصر من مشكلة إلى أخرى.
نجاح الغرب في ألمانيا واليابان، له ظروفه الخاصة، من بينها تقديم المساعدة الفعالة للخصم السابق اقتصادياً وسياسياً، ولكن الأهم أن تلك المجتمعات الغربية التي ساعدت في تغيير بوصلة ألمانيا واليابان، كانت ديمقراطية إلى حد كبير، فكان هناك مثال يحتذى، وفي نفس الوقت، مغرٍ للاتباع.
على الرغم من أن الوثيقة تجزم بعدم التعامل المستقبلي مع «حماس»، وما تمثله من أيديولوجيا، تقول الوثيقة (يجب الاعتراف بأن غزة سوف تبقى عربية، فلسطينية، إسلامية)، لذلك (فإن قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها، تعتمد ليس فقط على العملية العسكرية والسياسية الجارية حالياً، بل على إمكانية خلق الظروف التي تسمح بإعادة بناء وتحويل أمة كانت تقاد بأيديولوجيا قاتلة، ويكون ذلك بنمو مؤسسات وثقافة فلسطينية عربية إسلامية (معتدلة)!
تذهب الوثيقة إلى القول (تلك مهمة صعبة، تتطلب تفكيراً عميقاً، ومواجهة صريحة لحجم التحدي).
وتدخل الوثيقة في تفاصيل كثيرة، لتصور كتابها لليوم التالي في غزة، كما أسلفت، فالوثيقة متاحة للقراءة من الجانب العربي، في مؤسساتنا التي تتابع الصراع الدائر، وتنظر في مآلاته.
إلا أن الوثيقة سالفة الذكر، تتجاوز حقيقة لا شك يعرفها مؤلفوها، فهي قائمة على افتراض خاطئ، وهو افتراض أن إسرائيل خالية من (الأيديولوجيا القاتلة)، حسب تعبير الوثيقة للطرف الآخر، فهي، أي إسرائيل، ليست كمثل الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، تلك الدول فيها من آليات الديمقراطية، ما يستطيع أن يكف التطرف، إسرائيل فيها من التطرف ما يكف الديمقراطية وعملها الصحيح في المجتمع، فيها شيء من الديمقراطية، لكنها انتقائية، وفي الأزمات تُنحى جانباً لحساب التطرف، فليس هناك في التجربة الإسرائيلية ما يغري الجيران، أو حتى يطمئنهم!
كما أنها لم تتطرق إلى (التابو) المحرم حتى الآن، وهو حق الفلسطينيين في دولة مستقلة!
إلا أن الوثيقة المذكورة تعطي مؤشراً، ولو في ضوء خافت، على أن مثل هذه النقاشات قد تتطور، بعد أن تضع الحرب أوزارها، فلن تكون إسرائيل في الداخل، كما كانت عشية 7 أكتوبر 2023، فهناك نمو في التفكير خارج التطرف، يقمع الآن تحت شعار معروف لدينا (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، وهو بحد ذاته مقدمة للكوارث!! إلا أنه يستحق البحث والحوار أيضاً.