: آخر تحديث

أهمية كاتب الفيلم

17
14
16

شاهدت قبل أيام فيلما في السينما، لم يعجبني، ذهبت من أجل اسم المخرج، الذي أخرج فيلما جميلا قبل سنين كثيرة، يشبه عنوانه عنوان الفيلم الحالي، لكن شتان بين الفيلمين، مجرد أن خرجنا من السينما، كنا أنا وأختي نحمل نفس الانطباع، كأن المخرج مخرج مبتدئ، قالت أختي فورا، كاتب الفيلم السابق كان كاتبا عبقريا، وكاتب هذا الفيلم هو المخرج نفسه.

الكتابة هي الأساس في أي فيلم، هناك أفلام يكتبها مخرجوها، كان يفعل ذلك يوسف شاهين، كي يفعل المخرج ذلك يجب أن تكون له رؤية حادة وواضحة، حضرت مؤخرا فيلم تشريح سقوط الذي شاركت مخرجته في كتابته، لكن، إذا كان المخرج لا يملك الرؤية، فإن الفيلم يفضحه فورا.

الحرب التي خاضها الكتاب في السينما الأمريكية مؤخرا والتي انتهت بانتصارهم تثبت أهميتهم للصناعة، وتثبت أيضا كم هم مهمشون بالرغم من أهميتهم. المخرج والمنتج الذكي يعي أهمية الكاتب ويمنحه مساحته لصياغة الفيلم.

الكاتب هو الذي يخلق الحكاية ويصنع الشخصيات التي تلائمها، هو الذي يرى ما وراء الحكاية وإلى أين يسير الفيلم، يضع بتقنين وحرفية كل ما يصب في الحكاية ولا يأخذ منها، وحين نرى فيلما لا نفهم ما يريد هذا يعني أن الرؤية ليست واضحة ولا يفهم الكاتب أو المخرج ماذا يريد، المسألة واضحة وشديدة الحساسية، يشعر بها المتفرج، حتى لو لم يكن المخرج يعيها.

كاتب السيناريو الجيد يمكنه أن يحول حكاية معروفة إلى فيلم رائع، وهو بطريقته في لملمة أطراف الموضوع، يستطيع أن يخلق المشاهد ويصيغ الحوار بشكل يمكننا من الاندماج مع القصة والغوص في تفاصيلها، كتاب السيناريو الجيدين عملة نادرة، يدرك ذلك من يعمل في السينما، أو يتابعها.

تطوير السينما يعني العمل على تطوير هذه الحرفة بشكل أساسي، لأنها الأساس.

الكاتب الجيد، باحث جيد، ومبدع جيد، وناقد جيد، وملاحظ جيد، لأن مهمته أن يخلق قصة يمكن للمشاهد أن يصدقها حتى لو كانت خيالية أو بعيدة عن الواقع. عليه أن ينقد نفسه باستمرار خلال الكتابة، وعليه أن يرى مواطن الخلل في كتابته قبل أن يدله عليها أحد وقبل أن تخرج على الشاشة. المتفرج لا يرحم، المتفرج ذكي وقد يضحك مع الفيلم أو يبكي، لكنه حين يخرج من صالة العرض يهز رأسه ساخرا من القصة، أو ساهما ومدركا إلى أي حد كان الفيلم عميق ومتقن.

الكتابة أولا، ثم تأتي الأمور الأخرى. والكتابة تعتمد على ثقافة عميقة، كل ذلك بديهي، لكن يبدو أننا نكرر دائما البديهيات لأننا نشاهد أفلاما ندهش بأن صانعيها لا يعرفون البديهيات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد