ثمة أسئلة عديدة تتصل بفوز مرشح التيار الإصلاحي الإيراني مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية بمواجهة مرشح التيار المحافظ سعيد جليلي.
السؤال الأول، هل فاز بزشكيان من تلقاء نفسه متفوقاً على منافسه بقوة تصويت التيار الإصلاحي؟ أم سُمح له أن يفوز على أحد أقرب المقربين إلى المرشد الأعلى علي خامنئي؟ السؤال الثاني، ما هو تأثير الرئيس الإيراني الجديد في المعادلة السياسية الإيرانية ولا سيما على صعيد السياسات والقرارات السيادية كالعلاقات الخارجية، والدفاعية، والأمنية الداخلية عندما يتعلق الأمر بالمناخات المعارضة؟ والسؤال الثالث، في حال حاول الرئيس الجديد توسيع هوامشه السياسية كيف سيرد التيار المحافظ بعدما
خسر الرئاسة؟
كان من الواضح أن سماح مجلس صيانة الدستور للمرشح مسعود بزشكيان بالترشح ما كان ليحصل لولا موافقة المرشد خامنئي.
وكان واضحاً أن المرشح الإصلاحي الوحيد من بين الستة ممن سمح لهم بالترشح هو الأقل بروزاً في قائمة مرشحين اصلاحيين آخرين سبق أن تقدموا بطلبات للترشح مثل النائب الأول للرئيس الأسبق حسن روحاني اسحق جهانغيري. وقد شغل بزشكيان مناصب غير سيادية في النظام بداية وزيراً للصحة خلال عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ثم عضواً لمرات عدة في مجلس الشورى عن مدينة تبريز. وأتى قبول ترشيحه مباشرة بعدما رفض طلب الرئيس الأسبق حسن روحاني للترشح لعضوية مجلس خبراء القيادة الذي ينتخب المرشد المقبل، إلى حد أن روحاني رفع الصوت عالياً ليندد بـ"الأقلية الحاكمة الشمولية"!
وإذا ما ركزنا حديثنا على الانتخابات الرئاسية، من الصعب الاقتناع بعدم تدخل المرشد علي خامنئي وخلفه النواة الصلبة المتشددة التي قام خلال الأعوام السابقة، منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس حسن روحاني في منتصف العام 2021، بإعادة صياغة جسمها الحاكم في مختلف المؤسسات التشريعية والقضائية. ثم أتى بإبراهيم رئيسي مرشحاً رئاسياً بعدما عبّد له الطريق بتنحية كل المرشحين الذين يمكن أن يعرقلوا وصوله. ومع انتخاب رئيسي أقفلت الدائرة بوضع التيار المحافظ والمرشد اليد على جميع المؤسسات، من التشريعية التي ترأسها محمد باقر قاليباف، الى السلطة التنفيذية التي انتخب لها إبراهيم رئيسي وشكلت برئاسته حكومة محافظة صافية، الى القضائية التي حل فيها مكان رئيسي وجه متشدد هو غلام حسين محسني إجنئي.
إذاً لماذا سمح المرشد علي خامنئي بعودة الرئاسة الى التيار الإصلاحي؟ قد يكون التقييم متسرعاً بعض الشيء. فالرئيس الجديد الذي احتفى به البعض في الداخل والخارج، يأتي في ظرف أكثر صعوبة من الظرف الذي أتى فيه الرئيس الأسبق حسن روحاني. فبزشكيان ابن النظام لكنه لم ينتم يوماً إلى دوائر قرار ونفوذ عالية فيه. هو أعلن أنه يطيع المرشد علي خامنئي، لكنه بخلاف بعض الوجود البارزة في التيار الإصلاحي مثل محمد جواد ظريف، لا يمتلك قاعدة مؤيدين لصيقة به. فترشيحه وتركه يتقدم في الدورة الأولى، ثم ينتقل إلى الدورة الثانية ليربح الانتخابات رافعاً نسبة المشاركة من أقل من 40 في المئة الى 50 في المئة، خطوات منحت النظام مشروعية جديدة ليس تجاه الخارج فحسب، لكن في الداخل المأزوم بقوة منذ ثورة الحجاب التي اشتعلت في أعقاب مقتل الشابة مهسا أميني في أيلول (سبتمبر) 2022.
أضف إلى ذلك أن الرئيس الجديد وبحكم الدستور والأعراف لا يمتلك أي سلطة على مستويات القرار السيادي عموماً. فالوزارات السيادية كالخارجية والدفاع والداخلية والأمن والاستخبارات كلها في يد المرشد الأعلى و"الحرس الثوري". والأهم أن الرئيس لا يمتلك مع الحكومة أي سلطة على "الحرس" الذي يشكل عماد النظام العميق مع الجناح الديني المتشدد.
وقد يكون اختيار بزشكيان محاولة لامتصاص نقمة شرائح واسعة من الشارع الإيراني الذي فقد الأمل بإمكان اصلاح النظام من الداخل. كما أن وجود رئيس إصلاحي لا يمتلك أدوات الحكم الفعلي قد يسهل مسألة اختيار المرشد خليفته، وهو يظهر شيئاً من التعددية في النظام بوجود مسعود بزشكيان. لقد دعا بزشكيان الى تحسين العلاقات الإيرانية مع الخارج، وفي المقدمة دول الجوار والولايات المتحدة بهدف رفع العقوبات عن بلاده. لكن السؤال المطروح: ما هو موقف بزشكيان من سياسة ايران الإقليمية القائمة على اختراق الدول العربية وانشاء أذرع مسلحة أيديولوجية من العراق الى سوريا، لبنان واليمن وغيرهما؟ هذا الأهم بالنسبة الينا.ِ