وحيد عبد المجيد
تطورت العلاقات العربية الصينية بمعدلات متزايدة، في معظم المجالات خلال العقود الثلاثة الأخيرة. والصين الآن شريك رئيس لكثير من البلدان العربية. وما زالت هناك آفاق مفتوحة أمام الشراكة العربية الصينية، ومجالات جديدة يمكن أن تطرقها. وهذا أحد أهم ما يمكن استخلاصه من الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي، المنعقدة في بكين الأسبوع الماضي. لقد أظهرت هذه الدورة مُجدداً وجود إرادة قوية لتدعيم التعاون والشراكة المتناميين في الفترة الماضية.
وليس هذا المنتدى الذي أنشئ عام 2004، إلا أحد تجليات التطور الذي شهده التعاون العربي الصيني، إذ خلق إطاراً جماعياً للتعاون كان ضرورياً بذاته، فضلاً عن أثره الإيجابي في دعم العلاقات على المستوى الثنائي، لأن أقوى العلاقات وأفضلها هي التي تتطور على مستويات عدة. وهذه حال العلاقات العربية الصينية التي تتقدم اليوم، اعتماداً على محركين، أولهما جماعي كانت الدورة الثامنة لمنتدى التعاون أحدث حلقاته. والثاني ثنائي ستكون زيارة الرئيس شي جينبينغ المهمة التي تبدأ غداً إلى دولة الإمارات، أهم حلقاته الراهنة.
لقد أسهمت دولة الإمارات بدور مميز للغاية في تطوير التعاون الصيني العربي في مجمله بفضل الإنجاز الاقتصادي الكبير الذي يجعلها أكثر الدول نجاحاً في الشرق الأوسط، وفتحت آفاقاً رحبة أمام هذا التعاون بعد أن ظل التبادل التجاري محوره الرئيس لفترة طويلة. وما زال هذا التبادل مهماً بطبيعة الحال، وكان لدولة الإمارات دور مميز أيضاً في تطويره، بعد أن أصبحت من أهم دول العالم التي تعيد تصدير منتجات صينية إلى مناطق عدة، اعتماداً على النجاح الذي تحققه موانئ جبل علي.
وفضلاً عن التبادل التجاري البالغ حجمه 191 مليار دولار عام 2017، فقد ازداد المكون الاستثماري في التعاون العربي الصيني بشكل مطرد في العقد الأخير بصفة خاصة.
كما بدأت العلاقات العربية الصينية تتطور باتجاه بعض أشكال التعاون الاستراتيجي. وأسهم التوافق الكامل في مجال الحرب على الإرهاب في وضع أساس جديد لتطوير الشراكة العربية الصينية، وفتح آفاق استراتيجية يمكن أن تطرقها تدريجياً.
كما خلق مشروع «الحزام والطريق»، فرصاً جديدة لتطوير الشراكة مع العرب في اتجاهات ذات طابع استراتيجي، عبر تيسير إمكانات التواصل البحري والبري. ويلقى هذا المشروع تجاوباً ملموساً في العالم العربي. لكن المشاركة الفعلية فيه تتفاوت وفقاً لتقدير كل دولة لجدواه، وأثره في مصالحها. وقد أبدت تسع دول عربية حتى الآن استعدادها للمشاركة، ووقعت مذكرات تفاهم مع الصين بشأنه. وتلعب بعض هذه الدول دوراً أساسياً في دعم المشروع، خاصة دولة الإمارات التي شاركت في تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
غير أنه لكي تكتسب الشراكة العربية الصينية طابعاً استراتيجياً بالفعل، يحسن تنظيم حوار صريح وعميق، انطلاقاً من نتائج الاجتماع الأخير لمنتدى التعاون، حول ثلاث مسائل أساسية: الأولى هي التصور الصيني لطبيعة أدوار الدول العربية التي وقعت مذكرات تفاهم معها بشأن هذا المشروع، وموقع كل منها على خريطته، بطريقة أكثر تفضيلاً، انطلاقاً من وثيقة «الإعلان التنفيذي الخاص بمشروع الحزام والطريق» التي وُقعت في الاجتماع الأخير لمنتدى التعاون.
أما المسألة الثانية، فهي كيفية تجنب أضرار وخسائر قد تلحق ببعض الدول العربية جرّاء طموحات دول أخرى تقوم بدور محوري في مشروع «الحزام والطريق».
والمسألة الثالثة هي الدور المنتظر من الصين في السعي إلى حل أزمات وإنهاء حروب عربية تقوم إيران بالدور الرئيس في إشعالها، وينتظر كثير من العرب، في هذا السياق، خطوات صينية باتجاه مراجعة علاقاتها القوية مع إيران، خاصة بعد التهديدات التي أطلقتها طهران ضد حركة الملاحة في مضيق هرمز. وربما يكون تصريح مساعد وزير الخارجية الصيني تشين شياو دونغ، عشية اجتماع منتدى التعاون، والذي ناشد فيه إيران أن تكون جارة صالحة تتعايش سلمياً، تعبيراً عن بداية إدراك صيني بأن الأخطار المترتبة على سياسة طهران الإقليمية لا تقتصر على الدول العربية.