: آخر تحديث

عدنان إبراهيم والخطاب الديني

105
67
92

  سطام المقرن      

إذا أردنا بالفعل تجديد الخطاب الديني وإدخاله في وعي الإنسان المعاصر، فمن الضروري أن يسير هذا الخطاب في خط العقلانية والعدالة والرحمة والواقعية، وتجسيد الإيمان في فضاء المجتمع

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تجديد الخطاب الديني في العالم الإسلامي، خاصة بعد إعلان بعض القنوات الفضائية عن استضافة بعض المفكرين والدعاة مثل الدكتور/ عدنان إبراهيم، الأمر الذي أدى إلى وجود ردود فعل متباينة وسجالات واسعة بين مؤيد ومعارض لمثل هذه اللقاءات، والتي تمثل في نظر البعض المشروع الحقيقي لتجديد الخطاب الديني.
يعتقد البعض أن أمثال الدكتور عدنان يطرح رؤى وأفكارا جديدة في الفضاء الديني، وليس هذا وحسب، بل يعمل على إعادة إنتاج الثقافة الدينية من خلال «صياغة نموذج جديد للفكرة الدينية، قادر على مواكبة تحولات الحياة في العصر الجديد»، والحقيقة أنه لا يقدم خدمة لثقافة المجتمع الدينية، بل يزيد من حالات التشويش والإبهام الموجودة في الحقل الثقافي والديني، الأمر الذي قد يتسبب في ضعف واهتزاز الثقافة الدينية، وزيادة الخلل والانكماش في الخطاب الديني بشكل عام.
لنأخذ على سبيل المثال الأطروحات الفكرية للدكتور عدنان إبراهيم، فهو في البداية يؤصل لبعض الخرافات الموجودة في الموروث الديني، ثم يدعو إلى العقلانية في تناول الموضوعات الدينية، أما فيما يتعلق بالأحداث التاريخية فنجده ينهل منها ما يناسب مذهبه أو فكرته لتأييد رأيه، ويقول للجميع لدي «البرهان القاطع»، والصحيح الذي لا يختلف عليه اثنان، فيقول على سبيل المثال: «أنا لم آت بشيء من عندي وإنما التاريخ يقول ذلك» أو يقول: «هذا موجود في كتبكم فلماذا تنكرون الحقيقة؟»، ثم يسرد الوقائع التاريخية ويستشهد بها ليدلل على رأيه أو رأي المذهب الذي ينتمي إليه. كما نجده في مواضع أخرى يقوم بإسقاط المفاهيم والنظريات الحديثة على أحداث التاريخ، متجاهلا بذلك الظروف والمفاهيم والبيئة الاجتماعية التي يعيشها الناس آنذاك، ونلاحظ عليه أنه يركز على الشخصيات التاريخية فيقول «فلان» (بطل وشهيد)، و«فلان» طاغية ومتجبر في الأرض وهكذا، ثم يزعم الموضوعية والحيادية في الطرح، وكثير من الناس للأسف ينخدع ويتأثر بما يقوله بسبب العاطفة المذهبية والجهل بالتاريخ وأدواته المعرفية. 
وعلى هذا الأساس، استغل بعض الدعاة الرافضين لتجديد الخطاب الديني الضعف الموجود في أطروحات الدكتور عدنان إبراهيم ونظرياته، إذ يرون أن معنى هذا التجديد هو إلغاء الثوابت الموجودة في الشريعة الإسلامية، مثل الجهاد، والأمر بالمعروف، والولاء والبراء، ومن ثم التلاعب بنصوص الدين وفق الأهواء والمصالح!، وبالتالي فإن معنى تجديد الخطاب الديني في نظر هؤلاء الدعاة يتمثل في «الأخذ بمنهج السلف الصالح لا غير هو تجديد دين الأمة الذي أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنه بقوله: (يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها)،... قد يقيض الله تعالى عددا من أهل العلم أو الرياسة والحكم أو يجتمع الوصفان معا، والمهم هو أن ثمرة عملهم إحياء ما يندرس أو شيء مما يندرس من معالم الدين ودعوة الناس إليه، وتصحيح ما يلتبس حوله من مفاهيم».
وبناء على ما سبق، يكون معنى «تجديد الخطاب الديني» هو تطهير الدين الإسلامي من البدع والخرافات، وبعبارة أخرى، فقد ظهرت في الإسلام بدع وشركيات كثيرة، ويعني التجديد إزاحة هذه البدع والعودة إلى الإسلام الحقيقي في عصر النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول أحد الدعاة ما نصه: «إن عملية تجديد الدين عملية جهادية من الدرجة الأولى، وهي تغيظ أعداء الإسلام، لما يقوم به المجددون من إحياء الفرائض الغائبة، والسنن المغيبة، ومحق البدع والخرافات الدخيلة، لا سيما تلك الأفكار الخبيثة التي دسها أعداء الإسلام في عقول العرب وسلوكياتهم وأخلاقهم».
والمفهوم السابق لتجديد الدين -في رأيي- لا يصلح لمواجهة المتغيرات الحديثة، ولا يصلح أيضا لمواجهة الفكر الإرهابي، بل على العكس من ذلك فقد تؤدي تلك النظرية إلى بث الكراهية بين الناس، كما أن المنظمات الإرهابية تستخدم شعارات من هذا القبيل، مثل تجديد الدين وتصحيح عقائد الشعوب ومحاربة الشرك والبدع والخرافات، والحروب الطائفية أقوى دليل على ذلك، وفي هذا الصدد يقول أحد الدعاة: «لذا كان الإمام أبو داود فقهيا حقاً عندما كتب هذا الحديث في باب يتحدث عن الجهاد ضد رايات الكفر اليهودية والصليبية».
إذا أردنا بالفعل تجديد الخطاب الديني وإدخاله في وعي الإنسان المعاصر، فمن الضروري أن يسير هذا الخطاب في خط العقلانية والعدالة والرحمة والواقعية وتجسيد الإيمان في فضاء المجتمع، ويكون التجديد من خلال التحرّك برؤية جديدة لفهم النصوص الدينية وفق معطيات الحضارة الحديثة، لنأخذ على سبيل المثال مبدأ «العدالة»، فالتمعن في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يكشف لنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأت بتعريف جديد لمفهوم العدل خارج الإطار الذي كان يفهمه المجتمع آنذاك، أي أن مفهوم العدالة في القرآن والسنة كان متطابقا مع ما كان يفهمه أهل ذلك العصر من ألفاظ كهذه، والسؤال المطروح هنا: هل مفهوم العدالة الحديث يتطابق مع مفهوم العدالة في عصر النبي؟ وبالتالي لو كنا بصدد إجراء تعديلات أو تغييرات في العصر الحالي على نسق العلاقات الاجتماعية الحالية أو التزامنا للعدالة بالمفهوم الحديث للمجتمع المدني.. فهل خالفنا مبدأ من مبادئ الرسالة المحمدية؟ وعليه فقد تقرر في عالمنا المعاصر أن تكون حقوق الإنسان مثلاً هي المعيار للعدالة، وبالتالي فإن الخطاب الديني لا يمكن أن يتجاهل علاقته بهذه المسألة.
 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد