في كل عام، تعود الرياض لتؤكد أن المستقبل ليس انتظارًا، بل صناعة واعية يقوم بها من يمتلك الرؤية والشجاعة، تنطلق اليوم النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، لتجدد المملكة من خلاله التزامها بفلسفة باتت عنوانًا لعصرها، حيث يتحول الفكر إلى سياسات، والطموح الى أفقٍ عالمي يعاد تشكيله من قلب عاصمة المملكة.
منذ انطلاقة الأولى، لم تكن المبادرة مجرد منتدى اقتصادي، بل منصة فكرية تستشرف ملامح العالم المقبل، وتعيد تعريف الاستثمار بوصفه أداة لتقدم الإنسان قبل أن يكون ربحًا في الميزان المالي، ومع النسخة التاسعة، تترسخ الفكرة أكثر من أي وقت مضى، أن المملكة لم تعد تتابع التحولات، بل تشارك في صناعتها، وأن الرياض لم تعد محطة عبور للأفكار، بل منطلقًا لها.
في فضاء المبادرة تتقاطع مسارات الاقتصاد والتقنية والابتكار والفكر الإنساني، ليولد نموذج جديد من القيادة الاقتصادية التي لا تكتفي بإدارة رؤوس الأموال، بل تسعى إلى إعادة توجيهها نحو الإنسان والبيئة والمستقبل، هنا تتجلى روح رؤية المملكة 2030 التي جعلت من الاستثمار لغة توازن بين الربح والمسؤولية، بين النمو والعدالة، وبين طموح الفرد ومصالح العالم.
تجمع المبادرة بين صناع القرار وقادة الأعمال والمفكرين والمبتكرين من الشرق والغرب في مساحة واحدة من الحوار المفتوح، لتثبت أن الرياض أصبحت مركزًا للفكر العالمي، ومختبرًا حقيقيًا لأفكار ما بعد الاقتصاد التقليدي، فالعالم لم يعد بحاجة إلى مؤتمرات تتحدث عن الأرقام، بل إلى رؤى تصوغ الأثر وتوازن بين التقنية والإنسانية.
لقد تحولت الرياض من مدينة إدارية وعاصمة فكر اقتصادي جديد، ترى في كل تحدٍ فرصة، وفي كل أزمةٍ بابًا نحو الابتكار، ولذلك تأتي مبادرة مستقبل الاستثمار لتكمل هذا المسار، وتؤكد أن التنمية المستدامة تبدأ من الفكرة، وأن بناء المستقبل لا يتحقق بالتمويل وحده، بل بالعقل الذي يدير ذلك التمويل برؤيةٍ واعية ومسؤوليةٍ أخلاقية.
رعاية خادم الحرمين الشريفين لهذا الحدث العالمي ليست إجراءً بروتوكوليًا، بل رسالة عميقة تؤكد مكانة المملكة في قيادة الحوار الاقتصادي الدولي، وقدرتها على جمع المتناقضات في مشهدٍ واحدٍ من الانسجام والتكامل، فحين تتحدث الرياض عن المستقبل، فهي لا تصدر بيانات، بل تقدم نموذجًا متكاملًا من العمل والأثر، من القيادة والرؤية، من الحلم والإنجاز.
وفي زمنٍ تتقاطع فيه الأزمات، وتزداد فيه سرعة التحولات، تبقى مبادرة مستقبل الاستثمار تجسيدًا لفكرة سعودية جوهرها أن القوة الحقيقية ليست في الثروة، بل في القدرة على توجيهها نحو مستقبلٍ أكثر توازنًا وعدالة، فالمستقبل هنا لا ينتظر، بل يصنع، وتلك هي الرسالة التي تحملها الرياض للعالم في كل دورةٍ من هذا المؤتمر العالمي الفريد.

