روت الراحلة العزيزة، جيزيل خوري، أنها ذهبت لإجراء مقابلة مصورة مع صاحبة أشهر اسم في الرقص الشرقي بعد تقاعدها، فوجدت تحية كاريوكا تعيش في غرفة بسيطة من منزل بسيط لعائلة بسيطة.
انتهت الممثلة الكبيرة أمينة رزق إلى حالة مشابهة من الأسى والعوز. وكثيرون وكثيرات من ذوي الأسماء البراقة التي لمعت طويلاً في سماء الشهرة.
ليس ما هو أضنى وأقسى من الفقر. والأكثر قسوة هي التي تأتي بعد حياة رغيدة. أحياناً أو غالباً ما يكون الضحية هو المسؤول. لم يعرف كيف يدبر أموره، ولم يصدق أن الدهر غدار، وأنه «يوم لك ويوم عليك». وأحياناً تحاصره أنواء الأقدار مهما قاوم وسعى.
في هذه الحالات المحزنة يأتي دور الفرسان في المجتمعات. دور الذين يملكون في إعانة الذين لا يملكون، كما صنفهم همنغواي. لكن حتى هؤلاء تقل نخوتهم عندما تقل قدرتهم في الأزمات الشمولية والجفاف العام.
لا نستطيع أن نصرف عن تفكيرنا ضحايا هذه النهايات المروعة. وأول ما تفعله الحروب في الناس أنها تغني القلة وتفقر الأكثر. أعلن صندوق النقد الدولي أن 50 في المائة من اللبنانيين يعيشون تحت مستوى 8 دولارات في اليوم... أي لا يعيشون. هذه معاناة شديدة في بلد بلا دخل وأزمات بلا مخارج. تصور كيف يكون عليه الحال في سوريا، أو غزة، أو دنيا المخيمات المنتشرة في العالم العربي منذ النكبة. لكن الإنسان يفكر تلقائياً في الذين يعرفهم. وما المشاهير الذين أتعبوا سوى حالات رمزية للبؤس العام. ثمة آلام كبرى كثيرة من حولنا. ويلنا إذا عرفنا بها ونحن نعجز عن المساهمة في درئها، وويلنا إذا لم نعرف، مستسلمين إلى وباء الضمائر الميتة، مقلدين في ذلك أفظاظ السياسة وتكلس الأفئدة.
يقول صديق إن نجمة من أهل «الماضي الجميل» اتصلت به من دون مناسبة. وبدا من صوتها أن العمر نشر التعب في حنجرتها. تحدثت طويلاً عن أشياء لا أهمية لها. وكان هو يستمع وينتظر أن تبوح بما تريد. لكن كبرياءها لم تسمح لها بذلك. وعندما انتهت المكالمة شعر كأن جبلاً من الذنوب أُلقي عليه. فاتصل هو بها هذه المرة: نسيت أن أطلب منك عنوانك!

