في حواره الأخير مع الزميل عبدالله المديفر في برنامج «في الصورة»، أوضح رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ياسر المسحل أن القضايا التي رفعها الاتحاد ضد بعض الإعلاميين كانت «بسبب الإساءة الشخصية لأعضاء الاتحاد».
توضيح بدا متزناً في لغته، لكنه أعاد طرح سؤالٍ أوسع: متى يكون النقد تجاوزاً؟ ومتى تتحول المواجهة القانونية إلى عنجهية مؤسسية؟
من حق أي جهة أن تحمي منسوبيها من التجريح، لكن من غير الطبيعي أن تتحول الملاحظات المهنية إلى بلاغات قضائية.
فالإعلامي الصادق لا يهاجم الأشخاص، بل يضع المرآة أمام العمل العام، وحين تختار المؤسسة طريق الشكوى لا الشفافية، فإنها ترسل رسالة ضعفٍ لا دفاع.!
ولعل هذا الجدل تزامن مع تذكيرٍ بقضية خالدة في تاريخ الصحافة السعودية. عام "1401هـ" نشرت مجلة اليمامة تحقيقاً جريئاً عن أوضاع مستشفى شهار النفسي بالطائف، قام به الأساتذة: داود الشريان عبدالله الصيخان وصالح الرفاعي، وكان من ضمن ذلك التحقيق لقاء مع الشاعر الراحل حمد الحجي.
التحقيق كشف واقعاً مؤلماً، فاعتُبر تجاوزاً ووصل إلى المباحث العامة كشكوى ضد المجلة، حسب الشريان، والذي غرد في ختام تعليقه على جدل مستشفى شهار:
«الوزير الفاسد أُقيل، وتولّى غازي القصيبي وزارة الصحة، وانتصر صوت الصحافة»!
كانت تلك الحادثة لحظة فارقة أكدت أن الإعلام المهني لا يهدم، بل يُصلح، وأن الكلمة الصادقة قد تُسقط وزيراً وتنهض بوزارة، وعالميًا، تتكرر القصة بأسماء مختلفة.
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خسر جميع دعاويه ضد نيويورك تايمز وواشنطن بوست وسي إن إن، وأُلزم بدفع أتعاب محاماة باهظة، وفي بريطانيا كسبت صحفية ذا غارديان كارول كادووالدر قضيتها ضد رجل الأعمال آيرون بانكس لأنها نشرت في «المصلحة العامة»، أما في فرنسا، فقد انتهت قضية الصحفي دوني روبير حول فضيحة «كليرستريم» بانتصار حرية الصحافة على نفوذ البنوك والشركات..!!
هذه النماذج المتنوعة تؤكد أن المؤسسات القوية تواجه النقد بالبيان، لا بالمحامي، وأن القانون وُضع لحماية الناس من التجريح، لا لحماية المسؤول من السؤال الإعلامي الصادق لا يُعادي، بل يُنبه، فلا تجعل من البلاغ وسيلة لإسكات الكلمة، ولا من المحامي درعاً أمام الحقيقة، فقد تكسب قضية في المحكمة، لكنك ستخسر القضية الأهم قضية الرأي العام.

