نتأمل مسيرة المملكة العربية السعودية، لندرك أننا أمام وطن لم يبنَ فقط بالحجر والمعمار، بل شيد بالعطاء، وتأسس على قيم الرحمة والإنسانية. فمنذ البدايات الأولى، اختارت المملكة أن تكون يدًا ممتدة بالخير، لا تعرف التردد حين يُنادى الإنسان في أي بقعة من هذا العالم، فالمملكة تعد نموذجًا رائدًا في مجال العطاء الإنساني ودعم التنمية المستدامة، إذ رسخت عبر تاريخها الحديث نهجًا ثابتًا يقوم على خدمة الإنسان أينما كان، دون تمييز في العرق أو الدين أو الانتماء. وقد انعكس هذا النهج الإنساني في المكانة المتقدمة التي تتبوؤها المملكة اليوم ضمن أكبر الدول المانحة للمساعدات في العالم.
المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وضعت الإنسان في صميم اهتمامها، فمدّت يد العون إلى الشعوب المتضررة من الكوارث الطبيعية والنزاعات، وأسهمت في مشاريع الإغاثة والتنمية والبنية التحتية في عشرات الدول. واستمرت هذه الجهود بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- لترتقي من مجرد مساعدات إنسانية إلى مبادرات عالمية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة والسلام الدائم، ففي عالم يزداد اضطرابًا بالحروب والكوارث، تبقى المملكة صوتًا مختلفًا؛ صوت السلام والعون. لم يكن عطاؤها مجرد واجب سياسي أو التزام دولي، بل نابع من عقيدة راسخة تؤمن أن الإنسان هو محور الوجود وغاية التنمية.. ولهذا، لم تتوانَ المملكة عن مدّ يد المساعدة لكل محتاج، دون أن تفرّق بين دين أو عرق أو لون.
ويبرز "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية" بوصفه الذراع الرئيسية للمملكة في هذا المجال، إذ نفذ آلاف المشاريع في مجالات الغذاء والصحة والتعليم والإيواء في أكثر من 90 دولة حول العالم. كما أنشأت المملكة العديد من المبادرات النوعية مثل "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن"، ومبادرات دعم اللاجئين والنازحين في سوريا وفلسطين والسودان، فضلاً عن مساهماتها السخية في دعم منظمات الأمم المتحدة والصناديق الإنسانية الدولية.
ولم يقتصر دور المملكة على الجانب الإغاثي فقط، بل تعداه إلى ترسيخ قيم السلام والتعايش من خلال مبادرات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ودعم الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف. كما جاءت رؤية السعودية 2030 لتؤكد أن التنمية الحقيقية تبدأ ببناء الإنسان وتمكينه، محليًا وعالميًا، عبر التعليم والصحة والابتكار.
إن مسيرة المملكة في العطاء ليست مجرد عمل خيري، بل هي "رسالة حضارية" تؤكد أن السلام والتنمية لا يفترقان، وأن السعودية –بثقلها الإنساني والدولي– تواصل أداء دورها كمنارة للعطاء والإخاء في عالم تتزايد فيه الحاجة إلى التضامن والتعاون بين الأمم.

