: آخر تحديث

100 عام من النظام المالي والمصرفي المغربي

271
278
261

 محمد الشرقي 

يُعتبر النظامان المالي والمصرفي الحلقتين الأضعف والأقوى في الاقتصاد المغربي على امتداد أكثر من 100 عام، انتقل خلالها المغرب من العسر والفاقة والحاجة والعجز في نهاية القرن التاسع عشر، إلى التوسع والريادة المصرفية والتمويلية إقليمياً وأفريقياً مطلع الألفية الثالثة.

في البداية كانت ندرة المال سبباً مباشراً لفرض الحماية الفرنسية عام 1912، عندما عجزت العاصمة فاس عن رد ديون كانت اقترضتها من «بنك ناسيونال دي باري- باريبا» لبناء ميناء عصري في الدار البيضاء، وقروض لمصارف بريطانية كانت تولت تسديد ديون بالجنيه الإسترليني نيابة عن المغرب، لحساب الخزينة الإسبانية تعويضاً عن حرب الريف عام 1860. وكان ضعف الدولة يومها وعدم قدرة الجمارك المغربية على تسديد الديون الخارجية، وتهافت الشركات والمصارف الأوروبية الكبيرة على الدخول إلى سوق المملكة الشريفة (تسميتها في ذلك الوقت)، دفع الدول المشاركة في مؤتمر جزيرة الخضراء في جنوب إسبانيا حول المسألة المغربية، إلى إنشاء «المصرف المركزي المخزني» الأول في المغرب برأسمال 15.4 مليون فرنك، وحصص متساوية بين الدول الـ12 على شكل شركة مساهمة تمتد 40 سنة ومقرها طنجة. ويهدف ذلك إلى ضمان تسديد الديون وتحرير التجارة، وتحديث الاقتصاد وفتح باب المنافسة والمنافع.

بعد الحرب العالمية الأولى، باعت الدول الأوروبية الأخرى (10 دول) حصصها إلى المصارف الفرنسية، وأصبحت بذلك باريس المساهم الأكبر في «البنك المركزي المخزني» والمتصرف الأول بالمال المغربي والتمويل على أشكاله. ورفعت رأسمال «المصرف المخزني» في طنجة إلى 46 مليون فرنك، وأصدرت عملات تحت اسم الفرنك المغربي، كانت الخطوة الأولى نحو فقدان السيادة الوطنية النقدية التي انتهت بإنشاء بنك المغرب (المصرف المركزي) بدءاً من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1959. واعتُمد الدرهم ورقة نقدية وعملة وطنية، عوضت الفرنك الفرنسي المعتمد منذ عام 1906.

لكن استعادة السيادة النقدية كانت تحتاج إلى دعم خارجي من قوى كبرى في مقدمها الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي، اللذان منحا المغرب غطاء نقدياً من الذهب بقيمة 25 مليون دولار نهاية خمسينات القرن الماضي من حقوق السحب الخاصة، لتغطية قيمة الدرهم وتثبيتها. وهو الموقف الذي أغضب فرنسا، بعد قرار المدير العام للصندوق بيتر جاكوبسن الذي دعم موقف الرباط في خلافها مع باريس، وأحقية المملكة بالانفصال عن الفرنك الفرنسي للمرة الأولى منذ عام 1921.

ويظهر أرشيف بنك المغرب المركزي الذي اطلعت عليه «الحياة»، أن «اختيار عملة لها مرجعية عربية وإسلامية، وأيضاً يونانية وفينيقية- أمازيغية، ترمز إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في القرن الثامن الميلادي في دمشق، كان موقفاً سيادياً وسياسياً، وإعلان انتماء المغرب إلى فضائه التاريخي العربي والإسلامي والانسلاخ عن قيود وثيقة الجزيرة الخضراء، وانضمامه إلى الجامعة العربية، وتكريس الخيار القومي الذي كان أعلن عنه السلطان محمد الخامس في طنجة في نيسان (أبريل) 1947، وهو الخطاب الذي أغضب سلطة الحماية، وكان من أسباب نفي الملك وعائلته إلى مدغشقر صيف 1953.

وفُكّ الارتباط بين الفرنك والدرهم في خريف 1959، تبعه خفض قيمة الفرنك الفرنسي بنسبة تزيد على 20 في المئة في مقابل صرف العملة المغربية الجديدة، بإيعاز من صندوق النقد والبنك الدولي ومؤسسة «بروتن وودز» التي انضم إليها المغرب في تلك السنة. وشهدت العلاقة بين صندوق النقد وفرنسا فتوراً واضحاً في نهاية الخمسينات، بسبب موقف مدير مكتب الصندوق في باريس جان فيكتور ملاذيك، المتحمس للاستقلال النقدي المغربي، والترحيب بإنشاء المصرف المركزي والاعتراف به سلطة وحيدة منذ 17 تشرين الأول 1959، مسؤولة عن إصدار العملة التي أصبحت تطبع في سويسرا، وهو قرار إضافي للخلاف بين البلدين.

 

المغربة أو التأميم

وعلى رغم إصدار العملة المحلية، بقيت المصارف الفرنسية متحكّمة بالنظام المصرفي المغربي، وبجزء كبير من النشاط الاقتصادي. فكان ضرورياً إنشاء مصارف مغربية تابعة للدولة، بتمويل من القطاع العام في مجال التجارة الخارجية والتحويلات وتمويل المشاريع العقارية والسياحية والبنى التحتية والتنمية. في بداية الستينات، تأسست أربعة مصارف وطنية، منها «البنك المغربي للتجارة الخارجية» و «البنك الشعبي» و «صندوق الإيداع والتدبير» و «البنك الوطني للتنمية الاقتصادية» و «القرض الفلاحي» و «القرض العقاري والسياحي» وغيرها. وفي نيسان 1967 أصدر الملك الراحل الحسن الثاني قانوناً ملكياً بإخضاع المصارف العاملة في المغرب، سواء كانت مغربية أو أجنبية لسلطة المصرف المركزي في الرباط، الذي له سلطة الرقابة والوصاية على النشاط المالي والنقدي، ومنح القروض للأفراد والشركات. لم تَرق الخطوة لبعض المؤسسات المالية الأجنبية، التي بدأت التفكير في المغادرة مطلع السبعينات، وعودة الانغلاق والرهان على بورجوازية وطنية ناشئة، لكن غير مؤهلة. وتزامنت هذه الفترة مع تطبيق قانون المغربة (التأميم) الذي ألزم المصارف الأجنبية، التخلي عن 50 في المئة من رأسمالها لحساب مصارف محلية.

وارتبطت الظروف السياسية بأزمة الطاقة والحرب في الشرق الأوسط والحصار النفطي على الدول الأوروبية والأميركية، التي كانت مؤيدة لإسرائيل في حرب 1973.

خرجت أموال كثيرة من المغرب في نهاية السبعينات ومطلع ثمانينات القرن الماضي، بعد مغادرة شركات ومؤسسات ومصارف تجارية وحتى أفراد من الجالية اليهودية، التي كانت تمسك بجزء مهم من النشاط الاقتصادي والتجاري والصناعي في المغرب. وقُدرت قيمة الأموال المهرّبة من ذهب وعملات وأصول وحلي وتحف وحسابات مصرفية بمئات ملايين الدولارات، حُوّلت إلى دول أوروبية في طليعتها فرنسا وسويسرا وجبل طارق والملاذات، مثل لوكسمبورغ وليشتنشتاين وموناكو وغيرها. وبلغت قيمتها نحو 40 بليون دولار في ثلاثة عقود. وبعدما كان المغرب ملاذاً في الحرب العالمية الثانية للمضطهدين من النازية والفاشية، تغير المزاج نحو الهجرة مرة أخرى. ويعتقد الكاتب روبير أصراف حول تاريخ اليهودية في المغرب، أن تأثير الأحداث غير الجيدة في الشرق الأوسط والقرارات الاقتصادية والمالية الخاطئة للحكومات المتعاقبة، دفع آلاف اليهود الميسورين إلى الهجرة. وقدر رئيس الحكومة السابق المعطي بوعبيد (1979-1983)، الأموال المهربة من طنجة وحدها عبر البواخر بنحو 250 مليون دولار. وتسبب تراجع أسعار المواد الأولية ومنها الفوسفات بتضرر الاحتياط النقدي الأجنبي، وتراجعت معه قيمة العملة وارتفع التضخم الذي قارب 10 في المئة.

 

تجارب ناجحة مع صندوق النقد

عاش المغرب حالة عُسر مالي جديدة في مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما تجاوز العجز المالي 15 في المئة من الناتج الإجمالي. واقتربت التجارة الخارجية المغربية من الإفلاس، بعدما تبخر الاحتياط النقدي وشحت الموارد وعجزت المملكة عن استيراد قوتها اليومي بالعملة الصعبة. فكان ضرورياً الاستنجاد مرة أخرى بصندوق النقد الدولي، بعدما تعذر اللجوء إلى السوق الدولية. وفُرض نظام برنامج التقويم الهيكلي PAS على المغرب في نوع من الإكراه، على رغم معرفة مسبقة بتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الجيواستراتيجية، مثلما فُرضت الحماية الفرنسية قبل 70 عاماً لأسباب مالية واقتصادية.

وجد المغرب نفسه فجأة في صلب لعبة الحرب الباردة الاقتصادية، عندما اختارت إدارة الرئيس رونالد ريغن دعم اقتصاد المغرب ومده بالمساعدات المختلفة، للحؤول دون سقوط شمال أفريقيا في مخالب الدب السوفياتي ووصوله إلى غرب البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق. يومها قال وزير الخزانة جيمس بيكر، إن «دعم المغرب كان خياراً استراتيجياً لكل المنطقة المغاربية التي كانت مهددة بصعوبات مالية واجتماعية وأمنية، من انهيار أسعار النفط في الجزائر إلى الجفاف في المغرب، إلى حالات الاستفزاز التي مارسها معمر القذافي ضد تونس بورقيبة. وشملت المساعدات الأميركية حزمة قروض من صندوق النقد الدولي، وجدولة الديون الخارجية للرباط في نادي لندن التجاري، واعتماد أنظمة استبدال المساعدات الغذائية والعسكرية وزيادتها.

وفي مقابل الدعم المالي والسياسي الأميركي، كان على المغرب تطبيق برنامج التقويم الهيكلي الأول في العالم العربي وأفريقيا، إلى جانب البرازيل وتشيلي والأرجنتين والفيليبين، وأتت نتائجه كارثية على الفئات الفقيرة والمتوسطة والشباب والنساء والأسر الحديثة، بعد خفض مخصصات الإنفاق على الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، وتوقف العمل في المشاريع الحكومية الكبيرة. وزاد عدد الفقراء واتسعت البطالة وانتقل آلاف القرويين لبناء أكواخ حول المدن الكبيرة، وانتشرت المهن الهشة والفوارق الاجتماعية. وشهدت بعض المدن الكبيرة قلاقل اجتماعية عنيفة. لكن هذه الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ساعدت في تطوير القوانين والتشريعات وتحديث الدولة والمؤسسات لمواجهة التحولات المقبلة. وأُقرّ دستور جديد عام 1992 وآخر في 1996، ودخلت المعارضة الاشتراكية إلى حكومة التناوب للمرة الأولى في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كان يصف الوضع في بلاده بالسكتة القلبية الوشيكة.

في الرسائل المتبادلة بين الحسن الثاني ورئيس البنك الدولي جيمس ولفنسن عام 1995، نبهت المؤسسة المالية إلى ضرورة «مراجعة عدد من الخيارات والبرامج الحكومية».

 

إعادة البناء

استغرقت إعادة بناء النظام المالي والمصرفي وقتاً وكلف جهوداً وإصلاحات وتضحيات، تطلّبت تمويلاً وكفاءات وخبرات ودمج مصارف متوسطة وصغيرة ببعضها، وفتح رؤوس أموالها للجمهور عبر البورصة في نوع من التحدي الوطني لبناء قوة مالية استعداداً للمرحلة المقبلة. وأصبح لدى المغرب في العقد الأول من الألفية الثالثة أكبر مجموعة مالية في أفريقيا باستثناء جنوب أفريقيا، والثاني عربياً بعد دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال شبكة مصارف ومؤسسات ائتمان وشركات تمويل تدير محافظ مالية تتجاوز قيمتها 1.5 تريليون درهم (نحو 160 بليون دولار سنوياً)، تتزعمها ثلاثة مصارف لها امتدادات داخل مجموعات مالية وهولدينغ شركات عابرة للحدود تصل إلى ثلاث قارات. وتضم السوق المالية أيضاً مصارف تابعة لمجموعات فرنسية مثل «كريدي دي ماروك» و «سوسيتيه جنرال» و «بنك التجارة والصناعة»، لكن حضورها ضعيف إذا قورن بحجم المصارف المغربية الخاصة أو تلك التي تساهم فيها الدولة. وانضم إلى المجموعة المصرفية عام 2010 المركز المالي الدولي في الدار البيضاء، لجلب الاستثمار وتمويل المشاريع الاقتصادية داخل المغرب وخارجه. وحلّت السوق المالية في الدار البيضاء في المرتبة الأولى أفريقياً، و30 عالمياً قبل جوهانسبورغ ووراء دبي، من بين 86 مركزاً مالياً دولياً، صنّفها مؤشر المراكز المالية العالمية GFCI.

 

الريادة

ومند أواخر الألفية الثانية، توسعت المصارف المغربية إقليمياً خصوصاً في اتجاه أوروبا وأفريقيا والصين (هونغ كونغ)، من خلال إنشاء 44 شركة تابعة و15 فرعاً عالمياً يغطي ثلاث قارات، يعمل فيها نحو 20 ألف شخص، وتملك 1400 وكالة مصرفية دولية.

وتضم السوق المالية حالياً 19 مصرفاً وشركة مالية تابعة لرقابة المصرف المركزي، وقواعد الانضباط الاحترازية لمعاهدة «بازل 3» في مجال الأخطار والانكشاف وتغطية القروض الهالكة. ويسمح القانون الرقم 103/12 المتعلق بمؤسسات الائتمان، بالعمل للمصارف التشاركية الإسلامية الخاضعة لرقابة مزدوجة من المركزي والمجلس العلمي الشرعي.

ويُتوقع إطلاق العمل بالمالية التشاركية في الخريف المقبل، على أن يسبقها طرح سندات وصكوك إسلامية من الخزينة العامة. وسيكون حجم التمويل نحو 10 في المئة في مرحلة أولى، على أن تحافظ المصارف التقليدية على حصة الأسد. وكان مصرف المغرب المركزي منح 7 تراخيص لنشاطات مالية إسلامية تشاركية.

 

التوسع الإقليمي

بعد مرور مئة عام على قصة العوز المالي المغربي ونتائجه الاستعمارية وتبعيته الاقتصادية في بداية القرن الماضي، استطاع النظام المصرفي الجديد ليس فقط مزاحمة المصارف الفرنسية والأوروبية بل الإطاحة بها وإخراج معظمها من القارة الأفريقية، والتربع على عرش المصارف التجارية بنسبة الثلث في السنغال وكوت ديفوار ورواندا وتنزانيا ومالي والنيجر وإثيوبيا ونيجيريا وتشاد والغابون والكونغو والكامرون وغينيا وغانا وتونس. وكان معظمها مستعمرات فرنسية وبريطانية وإسبانية وبرتغالية سابقة. هذه الريادة المالية تقودها منذ نحو عقد ثلاثة مصارف، هي «التجاري وفا بنك» و «المغربي للتجارة الخارجية» و «البنك الشعبي المركزي». وأفادت «أكسفورد بيزنس غروب»، بأن المغرب «أصبح يملك أوسع شبكة مالية ومصرفية جنوب الصحراء، باستثناء جنوب أفريقيا، من خلال مصارفه التجارية الأكثر تقدماً وتوسعاً في أفريقيا. تتحكم في جزء مهم من النشاط المالي في أفريقيا الغربية أساساً». وأكدت أن الصناعة المصرفية «قوية ولها نظرة مستقبلية وسند رأسمالي جيد ونظام قانوني متقدم، يعززه الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي». وشددت على أن المصارف المغربية «باتت تسيطر على ثلث النشاط المالي وتملك أوسع شبكة مصرفية في نحو 30 دولة جنوب الصحراء. وتمكّنت من شراء فروع لمصارف قديمة، مثل «باركليز بنك» في مصر و «بلاد النيل» بنحو 500 مليون دولار والتوسع في شرق أفريقيا وساحل المحيط الهندي».

 

الاستثناء المغربي

صادف تاريخ الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 والحراك العربي 2011، واقع مغربي جديد اقتصادياً وسياسياً ومالياً وجغرافياً أكثر قوة ومناعة وصمود وتجربة وحنكة. ولم تستطع تلك العواصف على قوتها هزّ جذور الاقتصاد المغربي أو إضعاف دوره الإقليمي. وكانت الخسائر الاقتصادية والمالية محدودة، إذ ارتفع معها العجز المالي إلى 7.5 في المئة من الناتج، وقارب العجز التجاري 10 في المئة. وخرجت حركة 20 شباط (فبراير) الشبابية، للمطالبة بإصلاحات سياسية واجتماعية، تلتها استجابة ملكية في خطاب محمد السادس في التاسع من آذار (مارس) من العام ذاته، لمعظم التطلعات، تبع ذلك إقرار دستور جديد في استفتاء تموز (يوليو).

 

النموذج المغربي

ويقول وزير الاقتصاد والمال المغربي محمد بوسعيد، في شرح لأسباب نجاح التجربة المغربية، التي علمتنا «على عدم إمكان استنساخ نموذج يصلح لكل الدول والشعوب وفي كل الأوقات أبداً». ويرى أن المغرب «استطاع في فترة زمنية قصيرة نسبياً تحقيق تراكمات إيجابية».

ويلفت البنك الدولي، إلى أن الدخل الفردي المغربي «كان يُقدر بنحو 220 دولاراً عام 1968 ليرتفع إلى 3000 دولار عام 2011، وزاد الأمل في الحياة لدى الولادة من 48 سنة 1960 إلى 75 سنة عام 2015. وبعدما كان الدخل القومي يقدر بنحو بليوني دولار عام 1960، زاد إلى 107 بلايين عام 2014».

ويعتقد صندوق النقد الدولي أن الناتج الإجمالي في المغرب «سيبلغ 1.4 تريليون درهم عام 2022، وتقل المديونية عن 60 في المئة ويحافظ على نمو يفوق 4 في المئة، وتضخم دون 2 في المئة». وفي رأي رئيس بعثة الصندوق، أن الاقتصاد المغربي «امتلك المناعة التي جعلته يصمد في وجه العواصف الخارجية من الأزمة لدى الشركاء الأوروبيين، إلى ارتفاع أسعار الطاقة إلى الربيع العربي إلى التحديات المناخية والإقليمية».

واعتبر بوسعيد أن الأزمة العالمية «كانت امتحاناً حقيقياً لمدى مناعة اقتصادنا، وخرجت بلادنا ونحن أكثر قناعة بما راكمناه طوال الفترة الماضية وما نتطلع إليه في المستقبل، لجعل المغرب يتحول من الاعتماد على الطلب الداخلي إلى التصدير الخارجي». وقال: «يساعدنا في ذلك تنوع اقتصادنا وانفتاحه الدولي، واستثمر المغرب في السنوات الماضية بمعدل 20 بليون دولار سنوياً، معظمها في البني التحتية لتأهيل الاقتصاد وتحديث البلاد وإعدادها لمرحلة ما بعد الأزمة».

ويختلف البنك الدولي حول تقويم التجربة الأخيرة، إذ يرى أن العائد على الاستثمار العام «يظل ضعيفاً ولا ينعكس بالضرورة على الأفراد في مجال التحسن المعيشي ومعالجة البطالة المرتفعة لدى الشباب، وضعف الإنتاجية في العمل وصعوبة تمويل المشاريع الصغيرة، وعدم مشاركة القطاع الخاص في المشاريع التي تتبناها الدولة».

وسيكون للبنك المركزي دور متزايد في المستقبل، لجعل التمويل والاستثمار طريقاً للتنمية المباشرة ولاستحداث فرص العمل ومحاربة بطالة الشباب عبر تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

 

التأهيل النقدي والمالي

وصادقت الحكومة المغربية على مشروع قانون لتعديل القانون الأساس لبنك المغرب المركزي لعام 2006، وجعله ملائماً أكثر مع التحولات الدولية وأدوار المصارف المركزية في مجال الرقابة المالية والنظام النقدي وصرف العملات، واستقرار الأسعار والاحتياط النقدي والحوكمة المصرفية، والحصول على استقلال أوسع تجاه بقية المؤسسات الأخرى والارتقاء بالمصرف، الذي يحتفل بمرور 60 سنة على إنشائه، إلى مراتب المصارف الكبيرة باعتماد أفضل المعايير الاحترازية، لأن نشاطه يمتد في شكل غير مباشر داخل 40 دولة تتواجد فيها فروع لمصارف تجارية مغربية.

وتتضمن الإصلاحات أيضاً جوانب مالية وإجرائية. يُضاف إلى ذلك، السعي إلى تجاوز الحسابات المصرفية الشخصية سقف 90 في المئة في السنوات الخمس المقبلة. ويوازي هذا العمل تحرير تدريجي في سوق صرف العملة، في خطوة أولى لتعويم العملة من دون أن يؤدي إلى خفض قيمتها أو تحرير كلي لسوق الصرف الذي قد يستغرق 15 عاماً.

 

تعويم الدرهم

بدأ التفكير في تحرير صرف العملة في شكل تدريجي في أواسط العقد الأول من الألفية الثالثة، بعدما أصبح الاقتصاد المغربي يحقق نمواً 5 في المئة سنوياً، ويسجل فائضاً في الميزانين التجاري والمدفوعات الخارجية. وكان المغرب على وشك إطلاق خطة التعويم عام 2007، لولا لم تنفجر أزمة الرهن العقارية في الولايات المتحدة، وتمتد إلى أسواق الاتحاد الأوروبي القريبة وبقية العالم في ما بعد. ورافق تأجيل تعويم الدرهم ارتفاع أسعار النفط، وتأثيره السلبي في ميزان المدفوعات، إذ تحول الاقتصاد الخارجي من الفائض إلى العجز. تلاها تداعيات الربيع العربي على قطاعات السياحة والاستثمارات الخارجية، وتراكم عجز الميزان التجاري الذي بلغ 93 بليون درهم (نحو 10 بلايين دولار) في النصف الأول من هذه السنة.

وكان الدرهم المغربي مرّ في مراحل من تحرير التعامل، بدأت فك الارتباط مع الفرنك الفرنسي عام 1959، ثم تحديد قيمة العملة مع الشركاء الأوروبيين عام 1973, وإصدار سلة عملات مرجعية يستند إليها الدرهم قي قيمته عام 1990 أيام الأزمة المالية الثانية. ثم تغيرت تلك السلة عامي 2001 و2005. وفي 2015 أصبح الدرهم المغربي مرتبطاً باليورو بنسبة 60 في المئة، وبالدولار بنسبة 40 في المئة.

وتعتقد وزارة المال والاقتصاد، أن برامج تحرير صرف العملة يسير في شكل تدريجي ويتحين الفرص والمناسبات، ويسير في منطق حجم الانخراط في الاقتصاد العالمي. ويعتمد على رصيد من الاحتياط النقدي والنمو الاقتصادي وضعف التضخم، ويكون مسنوداً من قبل نظام مصرفي متطور يملك 100 سنة من التجربة والخبرة الدولية.

ولفتت المصادر إلى أن 85 دولة في العالم تعتمد نظام سعر الصرف المتحرك في مقابل 62 دولة تعتمد نظام الصرف الثابت. ومحكوم على المغرب بموقعه الجغرافي والاقتصادي والمالي (قطب الدار البيضاء الدولي)، مجاراة التحديث والاستفادة من الفرص الجديدة التي يتيحها اقتصاد المعرفة في العقد الثالث من الألفية الثالثة القائم على الخبرة والتكنولوجيا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد