محمد الشرقي
حضّ العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيس القمة العالمية للتغيرات المناخية «كوب ٢٢»، على تحقيق «مزيد من التعاون لتنفيذ «اتفاق باريس» الذي صادقت عليه 109 دول، معتبراً أنه «محك لمستقبل الأجيال المقبلة وصدقية الدول، لأن اشكالية المناخ مسألة خطيرة لا تحتمل الانتظار الذي سيكلف الإنسانية غالياً».
ورأى في خطاب ألقاه في افتتاح «قمة الأطراف للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية» (كوب 22 ) في مراكش أمس، التي حضرها الأمين لعام للأمم المتحدة بان كي مون والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أن «الخلاف بين الدول الصناعية وتلك النامية حول كلفة التغير المناخي والأولويات التي يراها كل طرف، لا يجب أن تحجب الحقيقة في كون التغير المناخي مسألة تهم الإنسانية جمعاء وتحتاج إلى مساهمة الجميع، لأن هناك دولاً نامية لا تملك الإمكانات المالية لتحقيق التأقلم المناخي وتحتاج إلى الدعم المالي والتقني الذي يجعلها قادرة على مواجهة تداعيات التغير المناخي».
وحدد أربعة مجالات للتعاون في شأن التأقلم المناخي، وتشمل «التزام الدول تعهداتها المالية ومساهمتها في الصندوق الأخضر، الذي أقرته قمة باريس برأس مال 100 بليون دولار سنوياً بدءاً من عام 2020، وانخراط الأطراف في خفض الانبعاثات المسببة للارتفاع الحراري، ونقل الخبرة والتجربة والتكنولوجيا إلى الدول النامية خصوصاً الفقيرة والواقعة في الجزر، وإشراك المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وزيادة الوعي والتربية بأهمية البيئة والحفاظ على الطبيعة». وأعلن أن المغرب «سيفي بوعوده كاملة وسيدعم دول الجنوب في القارة الأفريقية ويقلص الغازات الدفيئة، وسيجعل 52 في المئة من مصادر الطاقة الكهربائية عبر الطاقات النظيفة في الأفق 2030».
ودعا بان «دول العالم إلى الانخراط في التحدي الكوني لمقاومة التغير المناخي، عبر المساهمات المالية والتقنية وتعاون الدول، ونقل التكنولوجيا والعمل على خفض الغازات الدفيئة، والتحول نحو الطاقات النظيفة، ومساعدة الدول الفقيرة والعمل على بناء مجتمع إنساني متضامن».
وطغى موضوع التمويل المطلوب لتحقيق التأقلم المناخي في أفق 2020، على أشغال القمة. ويشارك فيها نحو 50 رئيس دولة وحكومة، غالبيتهم من القارة الأفريقية وممثلون لـ 200 دولة ومؤسسة ومنظمة عالمية وأممية وحقوقية ومجتمع مدني.
وأعلن محافظ المصرف المركزي المغربي عبد اللطيف الجواهري، أن «كلفة التأقلم المناخي تحتاج إلى تمويل قدّرته المنظمات الدولية بما بين 5 تريليونات دولار و 7 تريليونات في السنوات المقبلة، لخفض الانبعاثات الغازية والانتقال التدريجي إلى الاقتصاد الأخضر الأكثر حماية للبيئة ودمجاً للفئات الهشة». وقال «لا يتوافر حالياً للدول النامية سوى 1.4 تريليون دولار، بينما تقدر الحاجات بنحو 3.9 تريليون دولار».
وكشف الجواهري في لقاء صحافي مع مؤسسات مالية مغربية، أن المملكة «ستنفذ مشاريع في مجال التأقلم المناخي تبلغ كلفتها نحو 45 بليون دولار على مدى السنوات الـ 14 المقبلة، لخفض غازات دفيئة بنسبة 32 في المئة، وزيادة الطاقات المتجددة إلى 52 في المئة من الحاجات الكهربائية، عبر تمويل من المصارف والمؤسسات المالية المحلية والدولية، وإشراك القطاع الخاص المحلي والدولي في مشاريع الطاقات الجديدة».
تعاون جنوب - جنوب
وأشار إلى أن المغرب «سينقل تجربته إلى القارة الأفريقية، كما سيُنفّذ تمويل مغربي مشاريع للطاقات الشمسية والرياح في عدد من الدول جنوب الصحراء في إطار تعاون جنوب - جنوب، بعدما أبدت دول الشمال بعض التراخي في الوفاء بالتزاماتها السابقة».
وكانت «قمة باريس المناخية» (كوب 21) ألزمت الدول المتقدمة والمسببة لتدهور البيئة، دفع مستحقات سنوية بقيمة 100 بليون دولار بدءاً من عام 2020، لمساعدة الدول الفقيرة على اعتماد برامج للحد من التلوث المناخي والانتقال إلى الطاقات البديلة والزراعات الأقل استهلاكاً للموارد المائية، لخفض معدلات الفقر نحو الثلث بحلول عام 2030، في إطار التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة نهاية العام الماضي.
واعتبر وزير الاقتصاد والمال المغربي محمد بوسعيد أن الدول المتقدمة «باتت أقل اهتماماً بموضوع التأقلم المناخي وتكاليفه على الدول الواقعة في الجنوب والأكثر تضرراً من التداعيات التي تخلفها الانبعاثات الحرارية، ومضاعفاتها الاقتصادية والاجتماعية على قارة بكاملها مثل أفريقيا، ومصادر رزق بليون نسمة». وأكد أن «الضرر الذي يصيب الدول النامية من التغيرات المناخية والعواصف والجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية المختلفة، «يفوق بكثير حجم المساعدات الدولية المقدمة لها من الشمال». واستشهد بحالة القرى الأفريقية التي تحتاج إلى طاقة كهرباء بديلة لتحقيق تنمية تحافظ على الطبيعة.
وكشف البنك الدولي في المؤتمر، أن «خسائر الدول النامية من الكوارث الطبيعية والفياضانات والجفاف تزيد على نصف تريليون دولار سنوياً». ولفت إلى أنها «تتسبّب في تهجير نحو 26 مليون شخص من أراضيهم ومساكنهم، وبعض اللاجئين في دول أفريقية وباكستان لم يعودوا بعد إلى بيوتهم، على رغم مرور سنوات على تلك الكوارث».
وقبل بدء أعمال القمة، أمل بان في تصريحات إلى صحافيين، وفق ما أوردت وكالة «فرانس برس»، في أن «يصغي الرئيس (الأميركي) المنتخب (دونالد) ترامب، ويدرك أهمية التحرك السريع على صعيد المناخ». وأبدى «ثقة» في أن «يتخذ قراراً حكيماً». وقال إن «دونالد ترامب بصفته رجل أعمال متبصراً، يفهم أن قوى السوق تتحرك من الآن على صعيد هذا الملف».
ونقلت الوكالة عن سيليا غوتييه من «شبكة التحرك المناخي» (900 منظمة غير حكومية)، توقعها بأن «يذكروا استعدادهم للاستمرار في تحركهم وتسريعه، وأن يوجهوا رسالة قوية الى ترامب وبقية العالم».
ويشدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري في كلمة يلقيها اليوم، على ضرورة «التحرك السريع في مجال المناخ»، وفق ما أكد المفاوض الأميركي جوناثان بيرشينغ. وكان كيري قال بعد انتخاب ترامب، إن وجود الولايات المتحدة في مراكش «بات يرتدي ربما أهمية أكبر» الآن. وأعرب بيرشينغ عن ثقته في أن «الجهد العالمي سيتواصل» أياً كانت هوية قادة الدول.
وأكد المفاوض الصيني شي زينهوا في مؤتمر مراكش، أن «مواجهة تحدي التغير المناخي مسؤوليتنا المشتركة».