إيلاف من بيروت: عندما قتلت الصواريخ الدقيقة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، فقدت حماس أحد أهم قادتها السياسيين والميدانيين، فالعاروري أدواراً صلة وصل الحركة مع حزب الله وإيران، وقائد عملياتي يشرف على عمليات حماس في الضفة الغربية
يقول ماثيو ليفيت، مدير "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن العاروري حذر في أغسطس الماضي، قبل شهرين من هجوم 7 أكتوبر، من أن حماس تخطط لإشعال حرب شاملة مع إسرائيل، والعاروري هو من ساعد حماس قبل سنوات على إعداد قواعد اللعبة الخاصة بها للتعافي من مقتل القادة أو اعتقالهم أو ترحيلهم، وذلك في مقالة نشرها موقع "ذا ديسباتش" الأميركي.
تحقيق أميركي
بحسبه، تسمح الدراسة الدقيقة لقواعد اللعبة هذه بالكشف عن الشرط الأساسي لمنع حماس من استعادة نشاطها بالكامل بعد خسارة العاروري. يقول: "شهدت حماس سلسلة من النكسات في السنوات التي أعقبت تأسيسها في ديسمبر 1987. ففي عام 1989، اعتقلت السلطات الإسرائيلية ما لا يقل عن 200 ناشط مرتبط بحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، بينهم مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين. وفي ديسمبر 1992، اعتقلت السلطات الإسرائيلية 415 مقاتلاً فلسطينياً ينتمون إلى الجماعتين ورحّلتهم إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، ما أدى إلى تدمير قدرات حماس العملياتية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فطلبت الحركة المساعدة من أنصارها في الخارج".
يقول ليفيت إن مركز الدعم الخارجي لحماس كان آنذاك في الولايات المتحدة، ولم يكن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد رصد النشاط التمويلي واسع النطاق لحماس، إلى أن أصدرت حماس ميثاقها الأول، ونشرته في شيكاغو الرابطة الإسلامية في فلسطين.
وأدى اعتقال الأميركي محمد صلاح في إسرائيل في يناير 1993 إلى لفت انتباه مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى نشاط حماس في الولايات المتحدة. يضيف ليفيت: "تم اعتقال صلاح على خلفية تقديمه أموالاً لعناصر حماس في الضفة الغربية من أجل تنشيط العمليات هناك، فأرسل وآخرون مئات الآلاف من الدولارات إلى حماس".
أموال للعاروري
كان صالح العاروري أحد نشطاء حماس في الضفة الغربية الذين حصلوا على هذه الأموال. يقول ليفيت: "قدم صلاح للعاروري نحو 96000 دولار في أغسطس 1992، والعاروري قدم 45000 دولار للناشط في حماس موسى دودين لاستخدامها في صنع الأسلحة وشن الهجمات".
والعاروري أحد مؤسسي كتائب القسام التابعة لـحماس. بدأ عمله مسؤولًا عن التجنيد في حرم جامعة الخليل. اعتقل في عام 1990 وأُطلق سراحه بعد ستة أشهر، فاستأنف أنشطته في حماس فورًا. في اعتقاله الثاني في عام 1992، أتهم بالاضطلاع بدور قيادي في حماس. في السجن، انتخب العاروري لعضوية مجلس شورى حماس في السجون. وبعد إطلاق سراحه وترحيله في عام 2010، قام بتمويل عمليات حماس وتوجيهها من دمشق والدوحة وإسطنبول وبيروت، "بما في ذلك اختطاف وقتل مراهق أميركي وضحيتين أخريين في عام 2014"، كما يقول ليفيت.
يضيف ليفيت: "في أعقاب مجزرة حماس في 7 أكتوبر، سارعت السلطات الأميركية إلى تكثيف التحقيقات في أنشطة حماس بالولايات المتحدة. مع تركيز مكتب التحقيقات الفيدرالي على التهديدات الأكثر إلحاحاً من أمثال تنظيم الدولة الإسلامية والعنصريين البيض، تراجعت التحقيقات في أنشطة حماس من حيث الأولوية. قتلت الحركة ما لا يقل عن 31 أميركياً في 7 أكتوبر واحتجزت نحو 12 آخرين رهائن. باشر مكتب التحقيقات الفيدرالي تحقيقات متعددة مع أفراد مرتبطين بـحماس خشية أن تكون الجماعات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها قد جمعت الأموال أو قدمت أشكالاً أخرى من الدعم المادي لهذه المنظمة المصنفة على لائحة الإرهاب الأجنبية. وأطلق مكتب المدعي العام في فرجينيا تحقيقاً في قضية منظمة ’المسلمون الأميركيون من أجل فلسطين‘ على خلفية انتهاكات محتملة لقوانين التماس الأموال للأغراض الخيرية في فرجينيا".
دعم حماس
تسعى حماس إلى التعافي، لذا ستلجأ مجدداً إلى داعميها الخارجيين، وهي تتمتع اليوم بدرجات متفاوتة من الدعم من إيران وقطر وتركيا، فضلاً عن مانحين مغتربين في العالم. يقول ليفيت: "تعتمد قواعد اللعبة الخاصة بحماس على مثل هذا الدعم في أوقات الأزمات، ولذلك، مهم أن يعمل المجتمع الدولي على تعطيل قنوات الدعم الخارجية لحماس".
ويُعد تشكيل فريق عمل مكافحة تمويل الإرهاب في أعقاب هجوم حماس خطوة في الاتجاه الصحيح، بحسب ليفيت. ويتكون فريق العمل من وحدات استخبارات مالية من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وأستراليا ودول أوروبية أصغر تسعى إلى تعزيز الجهود الرامية إلى عرقلة تدفق الأموال إلى حماس.
برأي ليفيت، بدأت هذه المعلومات تؤتي ثمارها، فعلى سبيل المثال، "شاركت السلطات الإسرائيلية وثائق مع نظيرتها الألمانية تكشف عن حسابات مصرفية قطرية تم فتحها بأسماء نشطاء من حماس. وكان من بين أصحاب الحسابات موسى دودين، شريك العاروري في عام 1992، إضافة إلى أحلام التميمي التابعة لحماس والتي تعيش علناً في الأردن. وقد لعبا أدواراً في الهجمات التي أدت إلى مقتل أميركيين. ومن غير الواضح ما إذا كانت الحسابات لا تزال ناشطة حتى بعد أن تم الكشف عنها علناً".
المصدر: "ذا ديسباتش"