مع دخول الحرب في قطاع غزة شهرها الرابع، تبقى عملية وصول المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة، معضلة ليست باليسيرة، ناهيك عن عدم كفايتها بالمرة لتلبية احتياجات القطاع الذي يعيش به أكثر من مليونين وثلاثمئة ألف شخص.
فمنذ هجوم حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سارعت إسرائيل بإغلاق جميع معابرها وفرضت حصارا شاملا على القطاع، لم يخفف من وطأته سوى الضغط الدولي المتنامي لإدخال المساعدات الإنسانية للسكان مع تفاقم الوضع الإنساني في غزة.
وتحذر منظمات إغاثية، من أن المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة، عبر منفذي رفح وكرم أبو سالم البريين - وهما الممران الإنسانيان الرئيسيان إلى غزة - لا تغطي سوى 10 بالمئة من احتياجات سكان القطاع.
ومع تشبث إسرائيل بموقفها الرافض لفتح أي منافذ إضافية لدخول المساعدات للقطاع أو أن تسمح بدخول سلع تجارية من جانبها كما كان الحال في السابق، اقترحت أطراف مختلفة ممرات إضافية على أمل تخفيف حدة الأزمة الإنسانية بغزة.
فما هي أهم الممرات الإنسانية التي يتم من خلالها إدخال المساعدات إلى قطاع غزة؟
- الأمم المتحدة: النازحون من غزة "يعيشون في العراء"
- ما هي خطط إسرائيل بشأن غزة بعد انتهاء الحرب؟
- حرب غزة: هل تحسن الوضع الإنساني بالقطاع بعد دخول المساعدات خلال فترة الهدنة؟
معبر رفح
عقب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وبدء الحرب في غزة، ظل معبر رفح على حدود قطاع غزة مع مصر، وهو المعبر الوحيد خارج سيطرة إسرائيل، مفتوحا أمام حركة المسافرين خلال اليومين الأولين للحرب.
لكن خلال الأسبوعين التاليين استهدفت إسرائيل الجانب الفلسطيني من المعبر، المخصص بالأساس لعبور الأفراد، ما أدى إلى توقفه عن العمل بعد الأضرار التي طالت منشآته والمنطقة البينية. وهكذا توقفت الحركة تماما للأفراد والبضائع مع تشديد إسرائيل حصارها الشامل على القطاع.
ومع الضغط الغربي لإخراج الرعايا الأجانب العالقين في غزة، نادت مصر كذلك بالضغط على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع في المقابل، وأعلنت استقبالها المساعدات الإنسانية الدولية عبر مطار العريش الذي يبعد نحو 50 كيلومترا إلى الغرب من المعبر بمحافظة شمال سيناء.
كما تكدست عشرات الشاحنات على الجانب المصري من المعبر لأيام في انتظار أن يفتح أبوابه.
وفي ختام زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل، أُعلن عن فتح المعبر لدخول المساعدات، على أن تخضع شاحنات المساعدات للتفتيش من قبل السلطات الإسرائيلية في نقطة نتسانا المقابلة لمعبر العوجة مع مصر وعلى مسافة نحو 40 كيلومترا جنوب رفح.
واعتبارا من 21 أكتوبر/ تشرين الأول، دخلت أول دفعة من المساعدات بعدد 20 شاحنة إلى قطاع غزة، ثم زاد معدل الشاحنات تدريجيا، حتى بلغ 200 شاحنة بالمتوسط، خلال أيام الهدنة بين إسرائيل وحماس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، دخلت أولى شاحنات الوقود للقطاع بعد شكاوى متكررة من المنظمات الإنسانية بالقطاع من تعطل خدماتها بسبب نفاد الوقود.
الآن وبعد مرور ثلاثة شهور، تشير الإحصاءات إلى أن قرابة 6500 شاحنة متنوعة دخلت القطاع وأن أكثر من 20 ألفا من الرعايا الأجانب والمصريين والمصابين عبروا للجانب المصري، بعد اتفاق توسطت فيه أطراف مختلفة، بينما عاد المئات من الفلسطينيين العالقين بمصر لاسيما أثناء أيام الهدنة الوحيدة بين طرفي الصراع.
ولا تزال مصر ترى أن هناك الكثير من المعوقات التي تفرضها إسرائيل وراء تعطل الإمدادات بسبب الوقت الطويل في تفتيش الشاحنات والتعقيدات الأمنية وغيرها عند نقطة تفتيش نتسانا.
معبر كرم أبو سالم
مع استمرار نداءات المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة لزيادة شحنات الإغاثة للقطاع، دخل معبر كرم أبو سالم على خط نقل المساعدات، بعدما سمحت إسرائيل في 17 ديسمبر/ كانون الأول، باستخدام المعبر الذي يبعد نحو 5 كيلومترات إلى الجنوب من معبر رفح، كنقطة تفتيش إضافية.
وفي اليوم التالي أعلنت إسرائيل السماح بدخول شاحنات المساعدات من نفس المعبر المخصص والمجهز بالأساس لنقل البضائع من كل مصر وإسرائيل إلى القطاع قبل أن تطلق حماس ما أسمته "عملية طوفان الأقصى".
ويقتصر المرور عبر كرم أبو سالم إلى غزة على الشاحنات الخاصة بمنظمات الأمم المتحدة بينما يجرى تفتيش الشاحنات الأخرى وتعود لتدخل القطاع عبر منفذ رفح.
مساعدات أردنية برية وجوية
خلال تلك الأسابيع، خلق الأردن ممرين غير مستدامين، الأول جوي بإنزال مساعدات للمشافي الميدانية في شمال غزة وجنوبها، وتخلل ذلك إنزال جوي إنساني على كنيسة بالقطاع، بالتنسيق مع إسرائيل.
وفي 20 ديسمبر/ كانون الأول وبالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي وبرنامج الأغذية العالمي، دخلت للمرة الأولى 47 شاحنة مساعدات، برا من الأردن الى إسرائيل عبر جسر الملك حسين، وخضعت للتفتيش في نتسانا، ثم دخلت قطاع غزة من خلال معبر كرم أبو سالم بعد مرور عابر بالجانب المصري.
الحياة في غزة مستحيلة
يعتمد جميع سكان القطاع تقريباً على الشاحنات القادمة عبر الحدود من أجل البقاء على قيد الحياة إلا أن القطاع، لايزال يعاني شحا شديدا في احتياجاته الأساسية. في الأسبوع الأول من العام الحالي دخلت غزة ما بين 80 و 177 شاحنة في اليوم، وفق تقديرات أممية.
وتجدر الإشارة إلى أن القطاع كان يستقبل، قبل بدء الحرب، أكثر من 500 شاحنة يوميا تنقل السلع المختلفة من كافة المعابر التجارية بين قطاع غزة وإسرائيل.
وتقول ريم مجدي المتحدثة الإقليمية باسم برنامج الأغذية العالمي لبي بي سي إن "الممرات الإنسانية لا تزال غير كافية بالمرة بالنظر إلى حجم الاحتياجات في القطاع".
وأشارت إلى أن هناك شخصا من كل أربعة أشخاص في غزة "يعاني من ظروف تشبه المجاعة أي ما يوازي نصف مليون شخص في القطاع يعانون من نقص كامل في الغذاء".
ووجهت ريم مجدي دعوة باسم برنامج الغذاء العالمي، إلى إسرائيل لإعادة فتح معابرها المغلقة مع غزة لتيسير دخول المواد التجارية على الأقل مشددة على أن موقف البرنامج هو أنه لا حل للأزمة الإنسانية الحالية في القطاع سوى وقف إطلاق النار.
وتقول ريم إن هناك مناطق يصعب الوصول إليها في ظل استمرار القصف، ونقص الوقود، وهو ما يعوق عمل الفرق الإغاثية على الأرض.
اتهامات متبادلة
وجهت عدة جهات منها الأمم المتحدة اتهامات متواصلة لإسرائيل بعرقلة دخول المساعدات إلى المدنيين في غزة.
في نهاية العام المنصرم، دوّن مسؤول الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارتن غريفيث، قائلا إن هناك ثلاثة مستويات من تفتيش الشاحنات قبل دخولها لغزة مع وجود ارتباك وصفوف طويلة وقوائم متزايدة من المواد المرفوضة وعمليات القصف المستمرة من جانب إسرائيل.
لكن السلطات المعنية في إسرائيل ردت بأن هناك نقاط ضعف من بينها التنسيق بين الأطراف المعنية بإدارة المساعدات كالمنظمات الدولية ومصر والفلسطينيين، وضعف بالقدرة الاستيعابية للمنشآت الأممية بالقطاع بل وبالجانب المصري، وغياب نظام تتبع آلي للشاحنات.
ممر بحري مقترح بين قبرص وغزة
مع استمرار تفاقم الوضع الإنساني في غزة ظهر مقترح أطلقته قبرص قبل شهرين، بتوفير ممر إنساني بحري من ميناء لارنكا إلى سواحل غزة.
وزار وزير الخارجية الإسرائيلي قبرص الشهر الماضي، لبحث المقترح وأعلنت إسرائيل لاحقا قبولها للمقترح شريطة أن تخضع الشحنات لعملية تفتيش أمني تنسقها إسرائيل، بحسب بيان للخارجية الإسرائيلية حينها.
وتبعد غزة نحو 370 كيلومترا عن قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي والتي أعلنت عن المقترح خلال مؤتمر في باريس حول الحرب في غزة وإسرائيل.
وطبقا لما هو معلن، ستخضع السفن لعملية تفتيش في قبرص قبل إبحارها .
بيد أن السلطة الوطنية الفلسطينية أعلنت رفضها في البداية للمقترح القبرصي، "متشككة في أهدافه"، بحسب بيان لمجلس الوزراء الفلسطيني صادر نهاية الشهر الماضي، قبل أن تعلن دراستها للمقترح لاحقا.
شكوك فلسطينية
وفي هذا السياق قال أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والقيادي في حركة فتح، إن هناك مخاوف فلسطينية من استغلال الممر في تهجير الفلسطينيين خارج غزة في سياق حديث مسؤولين إسرائيليين عن تشجيع سكان القطاع على "الهجرة الطوعية خاصة وأن ظروف الحياة الحالية في القطاع قد تدفع البعض للشروع في مغادرة القطاع بحثا عن طوق نجاة"، بحسب تعبيره.
ويرى الرقب أن هذا المقترح مرهون بـ"موافقة إسرائيل التي تؤمن مياه غزة"، وإن استبعد تنفيذه قريبا بسبب ما يراه تحديا وهو "احتمالية طول فترات التفتيش للحاويات في قبرص ومن ثم يطول زمن وصول تلك الرحلات".
وتفتقر غزة إلى مرافق الموانئ لكن بريطانيا عرضت سفنا برمائية قادرة على الوصول إلى ساحل القطاع دون الحاجة إلى بنية تحتية خاصة.
ويقول الرقب إنه رغم غياب ميناء بحري فاعل في قطاع غزة ولكن "توجد بنية تحتية لميناء في غزة يسهل تشغيلها، إذا ما أشرفت المؤسسات الأممية العاملة داخل القطاع على استقبال تلك السفن للمساعدات وتشكيل لجان لتوزيع المساعدات".
قرار مجلس الأمن وتحذيرات أممية
ويبقى وصول المساعدات إلى شمال القطاع معضلة في ظل استمرار القصف الإسرائيلي، وكان مجلس الأمن الدولي اعتمد الشهر الماضي، قرارا يدعو إلى اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فورا بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ودون عوائق لقطاع غزة عبر آلية للأمم المتحدة بالتشاور مع جميع الأطراف المعنية.
لكن قرار المجلس لم يوضع حيز التنفيذ حتى وقت إعداد هذا التقرير، لاسيما وأن إسرائيل أعلنت رفضها لها فور صدوره.
وطبقا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونورا" تعرض 90 بالمئة من سكان غزة للتهجير القسري ويفتقرون إلى كل شيء خلال ثلاثة أشهر من الحرب.
وأوضحت الوكالة في منشور لها على منصة إكس، أن سكان غزة باتوا يبحثون عن الأمن في القطاع الذي "لا يوجد فيه مكان آمن"، محذرة من شبح المجاعة الذي يخيم على غزة.
ومع استمرار القصف الإسرائيلي، بات سكان القطاع في أوضاع إنسانية متردية للغاية حتى أن منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث، قال، يوم الجمعة، إن غزة أصبحت منطقة "غير صالحة للسكن" و" أصبحت غزة مكانا للموت واليأس".