قالت المحكمة العليا في الهند، إن 11 رجلاً أُطلق سراحهم مبكراً بعد إدانتهم باغتصاب امرأة مسلمة حامل، ويجب إعادتهم إلى السجن.
وكان الرجال، وهم جزء من حشد هندوسي، يقضون عقوبة السجن مدى الحياة بسبب الاعتداء على بلقيس بانو، وقتل 14 من أفراد أسرتها، خلال أعمال شغب مناهضة للمسلمين في ولاية غوجارات عام 2002.
وعلى الرغم من ذلك، أُطلق سراحهم في أغسطس/ آب عام 2022 بأمر من حكومة ولاية غوجارات. وقد أثار أمر إطلاق سراحهم والاحتفالات أثناء مغادرتهم السجن غضباً عالمياً.
وننوه أن هذه المقالة تحتوي على تفاصيل قد يجدها بعض القراء مزعجة.
وقالت بلقيس للمحكمة العليا في التماسها إن إطلاق سراح الرجال "هز ضمير المجتمع".
ووصفت حادثة الاغتصاب بأنها "واحدة من أبشع الجرائم التي شهدتها البلاد على الإطلاق"، وقالت إن إطلاق سراحها أصابها "بالصدمة التامة".
وقالت هيئة المحكمة العليا المكونة من قاضيين، برئاسة القاضية بي في ناغاراتنا، إن ولاية غوجارات "ليست مختصة" بإصدار أمر العفو في القضية منذ أن حوكم الرجال وأُدينوا في محكمة في ولاية ماهاراشترا المجاورة.
الاغتصاب في الهند: "عذاب رؤية مغتصبيك أحرارا يُستقبلون كالأبطال"
الاغتصاب في الهند: مظاهرات ضد الإفراج عن متورطين في حادث اغتصاب جماعي
وأضافت هيئة المحكمة أنه منذ إلغاء قرار الحكومة الذي صدر بالعفو، يتعين عودة المدانين الـ11 إلى السجن في غضون أسبوعين.
وقالت القاضية بي في ناغاراتنا إن العدالة لا تشمل حقوق المسجونين فحسب، بل تتضمن كذلك حقوق الضحايا وإن "الواجب الأساسي" للمحكمة هو تأييد العدالة وسيادة القانون.
وأضافت: "يجب الحفاظ على سيادة القانون دون الانتباه إلى التداعيات والعواقب".
ومن المتوقع أن تكون هناك تداعيات على هذا الحكم التاريخي، خاصة في ولاية غوجارات حيث كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي حاكماً للولاية وقت وقوع أعمال الشغب، وتعرض حينها لانتقادات لعدم بذل ما يكفي لمنع المذبحة.
ودوماً ما كان ينفي مودي ارتكاب أي مخالفات ولم يعتذر عما حدث أثناء أعمال الشغب.
وقد أيدت ولاية غوجارات إطلاق سراح الرجال، المحكوم عليهم بتهمة الاعتداء على بلفيس بلكيس وعائلتها.
وقال مسؤولون في المحكمة إن الرجال، الذين أدانتهم محكمة ابتدائية لأول مرة في عام 2008 ، أمضوا أكثر من 14 عاماً في السجن وأُطلق سراحهم، بعد الأخذ في الاعتبار عدة عوامل كعمرهم وحسن سلوكهم في السجن.
وقالت حكومة الولاية إنها طلبت موافقة الحكومة الفيدرالية، التي منحتها وزارة الداخلية، بقيادة أميت شاه، المساعد المقرب لرئيس الوزراء الهندي.
وعندما أُطلق سراح الرجال عام 2022، استقبلوا استقبال الأبطال أثناء خروجهم من السجن في بلدة جودهرا بولاية غوجارات، حيث قدم لهم أقاربهم الحلوى ولمسوا أقدامهم لإظهار الاحترام.
وقال المدعون الفيدراليون إنه لا ينبغي "الإفراج عنهم قبل الأوان ولا يجوز إظهار أي تساهل معهم لأن جريمتهم كانت شنيعة وفادحة وخطيرة".
و قالت بلقيس بانو، بعد أيام من إطلاق سراح مهاجميها، إن قرار إطلاق سراحهم "هز إيمانها بالعدالة".
وكتبت لحكومة ولاية غوجارات، قائلة : "كيف يمكن أن تنتهي العدالة لأي امرأة بهذه الطريقة؟ لقد وثقت في أعلى المحاكم في بلادنا. لقد وثقت في النظام، وكنت أتعلم ببطء كيفية التعايش مع الصدمة التي تعرضت لها"، وناشدت حكومة الولاية "التراجع عن هذا الضرر".
وكان الهجوم على السيدة بانو وعائلتها من أفظع الجرائم خلال أعمال الشغب، التي بدأت بعد مقتل 60 حاجاً هندوسياً، أثناء حريق في قطار ركاب في بلدة جودهرا.
وألقت حشود هندوسية باللوم على المسلمين في إشعال النار، وهاجمت الأحياء التي يقطنها مسلمون . وقد لقي أكثر من 1000 شخص مصرعه، معظمهم من المسلمين.
وفي صباح اليوم التالي لحريق القطار، كانت السيدة بانو، التي كانت تبلغ حينها 19 عاماً وحاملا بطفلها الثاني، تزور والديها في قرية تدعى راندهيكبور بالقرب من جودهرا مع ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات.
وعندما هاجم مثيرو الشغب القرية وبدأوا في إشعال النيران في منازل المسلمين، هربت هي و 16 شخصاً من أقاربها، حسبما قالت لبي بي سي في عام 2017. وقد لجأوا، على مدى الأيام القليلة التالية، إلى المساجد أو اعتمدوا على حسن معاملة الجيران الهندوس.
وفي صباح يوم 3 مارس/آذار عام 2002، هاجمتهم مجموعة من الرجال "بالسيوف والعصي".
وقالت بلقيس لبي بي سي : "اختطف أحدهم ابنتي من حضني وألقاها على الأرض، ضارباً رأسها بصخرة".
وكان مهاجموها من جيرانها، وهم رجال كانت تراهم يومياً تقريباً أثناء نشأتها، إذ مزقوا ملابسها واغتصبها عدد منهم، متجاهلين توسلاتها إليهم بأن يرحموها.
وتعرضت ابنة عمها، التي أنجبت طفلها قبل يومين، للاغتصاب والقتل، كما قُتل كذلك طفلها حديث الولادة.
وقد نجت بلقيس بانو لأنها فقدت وعيها وغادر مهاجموها، معتقدين أنها لقيت حتفها. وكان الطفلان البالغان من العمر سبعة وأربعة أعوام، الناجيين الآخرين الوحيدين من المذبحة.
لقد كان كفاحها من أجل العدالة طويلاً وكابوسياً. فبعض مسؤولي الشرطة والدولة حاولوا ترهيبها، وقد أُتلفت الأدلة ودُفن الموتى دون إجراء فحوصات ما بعد الوفاة. وقد وُثق كل ذلك بشكل جيد.
وقال الأطباء الذين فحصوها إنها لم تتعرض للاغتصاب، وإنها تلقت تهديدات بالقتل.
ولم تُنفذ الاعتقالات الأولى في القضية إلا في عام 2004 بعد أن سلمت المحكمة العليا في الهند القضية إلى محققين اتحاديين وأحالت قضيتها إلى مومباي، قائلة إن المحاكم في ولاية غوجارات لم تتمكن من تحقيق العدالة لها.
وقد أدانت المحاكم عشرات الأشخاص على مدار سنوات، لتورطهم في أعمال الشغب، لكن بعض المتهمين البارزين حصلوا على كفالة أو برّأتهم محاكم أعلى.
ومن بين هؤلاء مايا كودناني، الوزيرة السابقة في حكومة مودي في ولاية غوجارات، والتي وصفتها المحكمة بأنها "قائدة أعمال الشغب" التي وقعت في إحدى المناطق.
وفي عام 2013، قضت لجنة المحكمة العليا بعدم وجود أدلة كافية لمحاكمة السيد مودي، الذي أصبح رئيساً للوزراء في العام التالي، لكن كثيرين استمروا في نقده وإلقاء اللوم عليه في أعمال الشغب التي وقعت أثناء توليه حكم الولاية.