: آخر تحديث

البحرين تستضيف القمة الخليجية الـ46: تكامل اقتصادي وتحديات أمنية في لحظة فارقة

0
0
0

خاص-إيلاف من المنامة: تستضيف مملكة البحرين غداً الأربعاء 3 ديسمبر 2025 أعمال الدورة الـ46 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في قصر الصخير بالمنامة، وهي المرة الثامنة التي تحتضن فيها المملكة القمم الخليجية منذ تأسيس المجلس عام 1981.

تأتي هذه القمة في ظرف إقليمي بالغ الحساسية، تتقاطع فيه الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية على نحو غير مسبوق، حيث يبحث قادة دول المجلس الست تعزيز التكامل في ظل تحديات تتراوح بين الأزمات الإقليمية والتوترات الجيوسياسية وضغوط التحول الاقتصادي العالمي.

أداء اقتصادي قوي يعزز مكانة الخليج

تكتسب القمة أهمية اقتصادية استثنائية في ضوء الأداء القوي الذي تشهده اقتصادات دول المجلس. فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون عند الأسعار الجارية 588.1 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2025، مسجلاً نمواً بنسبة 3% مقارنة بالفترة ذاتها من 2024، وفق بيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي (GCC-Stat).

وساهمت الأنشطة غير النفطية بنحو 73.2% من الناتج المحلي الإجمالي عند الأسعار الجارية بنهاية الربع الأول من 2025، بينما شكلت الأنشطة النفطية 26.8%، في مؤشر واضح على نجاح استراتيجيات التنويع الاقتصادي التي تنتهجها دول المجلس.

ويتوقع البنك الدولي أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي لدول المجلس 3.2% في 2025 و4.5% في 2026، مدفوعاً بتراجع قيود إنتاج النفط في إطار "أوبك بلس" وصمود القطاعات غير النفطية.

قوة الصناديق السيادية الخليجية

على صعيد الأصول السيادية، تشير بيانات مؤسسات التصنيف المالي الدولية إلى أن صناديق الثروة السيادية الخليجية تدير مجتمعة نحو 6 تريليونات دولار من الأصول، ما يمثل أكثر من 40% من إجمالي أصول الصناديق السيادية العالمية، وفق تقارير "ديلويت الشرق الأوسط" و"Global SWF".

وأصبحت منطقة الخليج موطناً لثلاثة صناديق سيادية تتجاوز قيمة أصول كل منها تريليون دولار: صندوق الاستثمارات العامة السعودي (1.15 تريليون دولار)، وجهاز أبوظبي للاستثمار (1.11 تريليون دولار)، والهيئة العامة للاستثمار الكويتية (تريليون دولار).

هذه الأرقام تجعل من التنسيق الاقتصادي بين الدول الست ضرورة استراتيجية، وتضع على طاولة القادة مهمة تحويل هذا الثقل المالي إلى قوة اقتصادية متكاملة قادرة على المنافسة عالمياً.

جدول أعمال حافل بالملفات الاستراتيجية

استعرض المجلس الوزاري في دورته الـ166 التحضيرية، الذي عقد الأحد الماضي برئاسة الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني وزير الخارجية البحريني، مجموعة من التقارير المتعلقة بمتابعة تنفيذ قرارات المجلس الأعلى الصادرة عن القمة الـ45، إضافة إلى المذكرات والتقارير المرفوعة من اللجان الوزارية والفنية والأمانة العامة.

كما بحث الاجتماع التحضيري "القضايا المتعلقة بالحوار والعلاقات الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والدول والتكتلات العالمية، بالإضافة إلى آخر المستجدات الإقليمية والدولية في المنطقة والعالم"، وفق ما أوضحه الأمين العام.

مشروع السكك الحديدية الخليجية

يتضمن جدول الأعمال محاور استراتيجية تشمل التكامل الاقتصادي والبنية التحتية. ويشكل مشروع السكك الحديدية الخليجية أحد أبرز المشاريع الاستراتيجية التي سيناقشها القادة، حيث أعلنت هيئة السكك الحديدية الخليجية أن دول المجلس تواصل جهودها لإنجاز المشروع وفق الجدول الزمني المحدد، مع ديسمبر 2030 كموعد نهائي للإنجاز.

وافق مجلس الوزراء القطري في 2 يوليو 2025 على مسودة الاتفاقية العامة لربط دول مجلس التعاون من خلال مشروع السكك الحديدية الموحد، الذي يمتد لنحو 2,117 كيلومتراً ويربط الدول الست.

منظومة المدفوعات الخليجية

على صعيد المدفوعات المالية، أطلقت دول المجلس نظام "آفاق" (AFAQ) للمدفوعات السريعة، الذي يتيح تنفيذ التحويلات المالية بين دول المجلس بعملاتها المحلية بشكل فوري وبتكاليف منخفضة. انطلق النظام في ديسمبر 2021 بمشاركة السعودية والبحرين، وانضمت الكويت في مارس 2022 والإمارات في ديسمبر 2023، فيما من المتوقع انضمام عُمان وقطر مستقبلاً.

تصدير الطاقة الكهربائية

من المتوقع أن تناقش القمة توسيع مشاريع الربط الكهربائي الخليجي، بما في ذلك خطط تصدير الطاقة الكهربائية إلى العراق ودول أخرى في المنطقة، في إطار استراتيجية تعزيز أمن الطاقة الإقليمي.

الدفاع المشترك ومواجهة التحديات الأمنية

تركز القمة بشكل كبير على تعزيز التنسيق الأمني والدفاع الخليجي المشترك، خاصة في ضوء التحديات الأمنية المتصاعدة في المنطقة. يكتسب هذا الملف أهمية متزايدة في ظل التوترات الإقليمية والتهديدات التي تواجه الملاحة البحرية، ما يستدعي تنسيقاً أمنياً وعسكرياً أعمق بين دول المجلس الست.

الملفات الإقليمية: مواقف موحدة

على الصعيد السياسي، تناقش القمة تداعيات التوترات في المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والأزمتان اليمنية والسودانية، والتطورات في سوريا ولبنان.

ويتوقع المراقبون أن تصدر القمة مواقف موحدة وحاسمة تجاه هذه الملفات، في رسالة واضحة بأن دول الخليج تتبنى رؤية مشتركة حيال التحديات الإقليمية.

التحول الرقمي والاستدامة

من المتوقع أن تبحث القمة تعزيز التحول الرقمي من خلال مشاريع اقتصادية رقمية وتعزيز التجارة الإلكترونية، ومواصلة خطط الربط بين البنى التحتية الرقمية لدول المجلس.

كما تشمل المباحثات ملف الاستدامة البيئية وأمن الطاقة والغذاء، في ظل التزامات دول المجلس بتحقيق التحول نحو الطاقة النظيفة.

البحرين: تاريخ عريق من الاستضافة

احتضنت مملكة البحرين 7 قمم خليجية سابقة أسهمت في دفع عجلة العمل المشترك ورسمت ملامح التكامل الخليجي عبر العقود:

القمة الأولى (1982): عقدت في الفترة من 9 إلى 11 نوفمبر 1982، بعد عام واحد فقط من تأسيس مجلس التعاون، وشكلت إطاراً مهماً في ترسيخ لبنات مسيرة العمل الخليجي المشترك.

القمة الثانية (1988): عقدت في الفترة من 19 إلى 22 ديسمبر 1988، وشهدت قرارات تاريخية شملت إقرار السماح لمواطني دول المجلس بتملك أسهم شركات المساهمة المشتركة، ومساواة مواطني دول المجلس في المعاملة الضريبية، ونظام تشجيع المشروعات الصناعية، ونظام حماية الصناعات الوطنية الناشئة، وخطة الطوارئ الإقليمية للمنتجات البترولية، ومعاملة مواطني دول المجلس في مجال الخدمات الصحية.

القمة الثالثة (1994): عقدت في الفترة من 19 إلى 21 ديسمبر 1994.

القمة الرابعة (2000): عقدت في 30 و31 ديسمبر 2000، وشهدت حدثاً بارزاً بإقرار اتفاقية الدفاع المشترك بين دول المجلس، واعتماد "الاستراتيجية طويلة المدى لعلاقات ومفاوضات دول المجلس مع الدول والتكتلات الإقليمية والمنظمات الدولية".

القمة الخامسة (2004)، السادسة (2012)، والسابعة (2016): واصلت البحرين دورها المحوري في احتضان القمم الخليجية، حيث عقدت قمة 2016 "إعلان الصخير" الذي دعا إلى تعزيز الحماية من التهديدات الإقليمية وتعميق التكامل.

وتزينت شوارع العاصمة البحرينية المنامة بعبارات الترحيب بقادة دول مجلس التعاون، كما افتُتح في متحف البحرين الوطني جناح مجلس التعاون المصاحب للقمة، والذي يستعرض مسيرة المجلس عبر أكثر من أربعة عقود.

قادة دول المجلس يجتمعون

يشارك في القمة: الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين (رئيس القمة)، والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، والسلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر.

وتجسد هذه المشاركة حرصاً على تعزيز مسيرة المجلس والدفع بها نحو آفاق أكثر إشراقاً، وبحث الموضوعات التي تجسد العمل الخليجي في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية.

إعلان المنامة: خارطة طريق للتنفيذ

من المتوقع أن تصدر القمة "إعلان المنامة" الذي سيحدد الآليات التنفيذية للقرارات، في خطوة تهدف إلى تحويل التوصيات إلى مشاريع قابلة للتنفيذ مع جداول زمنية واضحة.

ويرى محللون أن نجاح القمة سيُقاس بمدى قدرتها على تحويل الإرادة السياسية إلى إنجازات ملموسة على الأرض، خاصة في ملفات حيوية مثل السكك الحديدية والمنظومة الدفاعية المشتركة والسياسات الاقتصادية الموحدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار