إيلاف من دبي: في رحلتها الأخيرة لرؤية عائلتها في مونتريال الكندية، بعيداً عن الحدود التركية السورية حيث تقضي قسماً كبيراً من وقتها، انضمت لينا الشواف - الصحفية والمديرة التنفيذية لراديو روزانا التي يديرها صحفيون سوريون في المنفى - إلى مسيرة كبيرة تطالب بوقف القتال في غزة.
تقول الشواف في مقالة نشرتها صحيفة "ذا غلوب أند مايل" الكندية: "بدأت بالبكاء، ليس بسبب معاناة أهل غزة، رغم أنهم يستحقون دعمنا، بل انهمرت الدموع لأنني فكرت في السوريين الذين يتعرضون للقصف حتى يومنا هذا، ولا يتحدث عنهم أحد. وعادت إلى مخيلتي ذكريات كفاحنا من أجل الكرامة والحرية منذ الثورة ضد نظام بشار الأسد في عام 2011".
في اللحظة نفسها
بحسب الشواف، تنقسم سوريا حاليًا إلى أربعة أجزاء تقع تحت نفوذ روسيا والولايات المتحدة وتركيا وتنظيم القاعدة، وما زال هذا الأخير يتعرض لقصف النظام السوري الذي يتلقى الدعم من سلاح الجو الروسي. تقول: "في اللحظة التي بدأت فيها إسرائيل قصف غزة، تكثف القصف في سوريا. اليوم، يموت الأطفال في سوريا بالطريقة نفسها التي يموت بها الأطفال في غزة، لكن لا يذكرهم أحد. إنها حرب عالمية داخل سوريا، حيث تتقاتل القوى العالمية ويدفع الشعب السوري الثمن".
تسأل الشواف: "ما مدى سهولة أن يغض العالم طرفه حين تجذب مأساة إنسانية أخرى انتباهنا. أتتذكرون صور الطفل الصغير آلان كردي ملقى جثة هامدة على الشاطئ بينما كانت عائلته تحاول الفرار من الحرب والقمع؟ أتتذكرون كيف رحب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والكنديون بآلاف اللاجئين السوريين في بلادنا بأذرع مفتوحة؟ لكن بعد ذلك انتقلنا بسرعة. أفغانستان ثم أوكرانيا والآن غزة".
كانت الشواف رئيس تحرير ومقدمة برامج إذاعية على الهواء في دمشق في ذلك الوقت، لكن مثل العديد من السوريين، عندما بدأت الاحتجاجات الديمقراطية في عام 2011، شعرت بأنها مضطرة للانضمام إلى الثورة. رفضت بث الدعاية المؤيدة للحكومة، "ولم يكن لدي خيار سوى ترك وظيفتي ومع تهديدات بالقتل تلاحقني وعلى أطفالي، اضطررت إلى الفرار"، كما تروي. ومع صحفيين سوريين آخرين في المنفى، ساعدت الشواف في إنشاء "راديو روزانا" في غازي عنتاب بتركيا، وهي غير بعيدة عن الحدود السورية، تبث مقابلات وقصص محورها الفظائع التي يرتكبها نظام الأسد والجماعات الأخرى، مع التركيز على حقوق المرأة ومقاومتها
قلة استجابت
تتابع الشواف: "أتذكر في عام 2016 عندما كانت مدينة حلب في شمال سوريا تحت الحصار. وكانت وسائل الإعلام الدولية في العالم تتواصل معنا لتغطية ما يحدث ميدانيًا. شاركنا معلوماتنا مع الصحفيين في كندا والدنمارك والنرويج وفرنسا والسويد وجعلناهم على اتصال مع المواطنين المراسلين والناشطين والأطباء في هذا المجال. لكن، بعد ذلك حل الصمت. فعندما تعرض المدنيون في خان شيخون لغارة جوية بأسلحة كيميائية في عام 2017 أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 89 شخصًا وإصابة مئات آخرين - العديد منهم من الأطفال - تواصلت مع جهات الاتصال في وسائل الإعلام الدولية، قلة قليلة استجابت".
وبحسبها، يدرك منتهكو حقوق الإنسان أن أفعالهم أسهل عندما تكون أعين العالم مشتتة. وليس من قبيل الصدفة أنه عندما بدأت الحرب في غزة، اختار نظام الأسد - مع داعميه الروس - تلك اللحظة لشن هجوم بالقنابل على إدلب، حيث المعارضة قوية بعد. تقول الشواف: "كانوا يعلمون أن قلة تراقبهم أو تهتم لما يفعلون. فقد صارت سوريا حربًا منسية".
تختم الشواف مقالتها بالقول إنها متأكدة من أن الأوكرانيين يساروهم بالقلق نفسه، بعدما تضاءل الدعم الغربي لقضيتهم، "مع تحول القوى العظمى ووسائل الإعلام والتركيز العام إلى غزة وإسرائيل". تسأل: "فكم من الوقت سيستغرق الأمر قبل أن ينزل الشعب الفلسطيني في غزة أيضاً إلى المرتبة الثانية عندما يندلع صراع تالي يلفت انتباه العالم؟".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبتها لينا الشواف ونشرتها صحيفة "ذا غلوب أند مايل" الكندية