بينما يرتدي المتظاهرون والمستوطنون زي الجيش الإسرائيلي الأخضر الزيتوني، يبدو أن المدنيين يستخدمون قذائف آر بي جي في غزة. لهذا، لما يرتديه المتقاتلون أهمية رمزية كبيرة
إيلاف من دبي: مع انتشار أخبار هجمات 7 أكتوبر في إسرائيل، أولى مراقبو مقاطع الفيديو ما كان يرتديه مسلحو حماس اهتمامًا خاصًا. يخبرنا زيهم الرسمي (أو عدم وجوده) شيئًا عن الصراع، وكذلك كيف يرغبون في أن ينظر إليهم المؤيدون والأعداء على حد سواء.
يقول تشارلز ماكفارلين، هو مؤرخ وباحث في مجال الأزياء، إن المقالات التي نشرتها الصحف الإسرائيلية زعمت أن "الإرهابيين كانوا يرتدون زيّنا العسكري" وأن "إرهابيي حماس استخدموا زي جيش الدفاع الإسرائيلي". يضيف: "المغزى الضمني من هذه القصص واضح: تُظهر أن حماس لا ترتكب جريمة حرب بحسب تصنيف الأمم المتحدة من خلال ارتداء الزي الرسمي لخصومها فحسب، بل تساهم أيضًا في تعزيز صورة حماس كمجموعة إرهابية وليس كجيش منظم".
عندما بدأت إسرائيل بقصف قطاع غزة ردًا على ذلك، سارع المعلقون على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الإشارة إلى أن العديد من مقاطع الفيديو التي نشرتها كتائب القسام، الجناح المسلح لحماس، تظهر مقاتليها يرتدون ملابس مدنية. يعلق ماكفارلين بالقول: "بالنسبة لأولئك الذين يدعمون الرد الإسرائيلي على الهجمات، فإن هذا يوضح أن حماس لا تستخدم المدنيين كدروع بشرية فحسب، بل تختلط بهم، ما يجعل من الصعب على الإسرائيليين استهداف المسلحين بشكل صحيح، وفي قراءة أكثر تشاؤما، الجثث المزعومة لمدنيين فلسطينيين هي في الواقع جثث مسلحين بل أسلحتهم، ما يعني ضمنًا أن الخسائر البشرية المرتفعة بشكل لا يصدق الناجمة عن القصف الإسرائيلي لغزة يتم تضخيمها عمدًا".
ببنطلون أديداس(مش اصلي)
— غزة (@karambko) November 1, 2023
دمر أسطورة جيش تهابه كل دول الجوار. pic.twitter.com/9VkohsCeob
المستحيل مع "أديداس"
في لقطات من أخرى، يرد مؤيدو حماس على افتقار المقاتلين إلى الزي الرسمي بطريقة مختلفة تمامًا. يقولون: "مقاتلو حماس يواصلون حرق الدبابات الإسرائيلية. لا تزال التكتيكات كما هي، قميص أديداس وقاذف أر بي جي". هذا ما جاء في منشور على موقع أكس من خلال حساب محذوف الآن حصل على نحو 16000 "إعجاب" وأكثر من 4000 "إعادة نشر". في منشور آخر على أكس، تم استخدام لقطة ثابتة من مقطع فيديو يُظهر أحد مقاتلي حماس يزحف خارجًا من حفرة ويرتدي بنطال رياضي من أديداس لوضع شعار هذه العلامة التجارية في الجزء السفلي من الفيديو، مع الشعار التسويقي للشركة: "المستحيل هو لا شيء". جاء في أحد التعليقات: "يظهر التاريخ أنه إذا ارتدى عدوك بنطال رياضي من أديداس في المعركة، فلن تتمكن من الفوز في الحرب".
يقول ماكفارلين: "بالنسبة لهؤلاء المعلقين، يؤكد المقاتلون الذين يرتدون ملابس مدنية، وبعضهم يرتدي الصنادل، على طبيعة الصراع أي داود ضد جالوت. وعلى الرغم من تفوق الجيش الإسرائيلي على حماس، فأنها ستنتصر. وممكن بسهولة إجراء مقارنات مع جيوش سيئة الملبس منتصرة مثل الفيتكونغ وطالبان".
لكن، في مقطع فيديو نُشر على قناة تلغرام التابعة لكتائب القسام، يقوم مقاتلون بإسقاط قذائف هاون في سبطانات المدافع في تتابع سريع، يرتدون الزي الرسمي والخوذات والدروع الواقية من الرصاص وواقيات الركبة والقفازات، أي الزي الرسمي العسكري، وعليه العلم الفلسطيني. يقول ماكفارلين: "هذه هي الصورة العسكرية الاحترافية التي ترغب حماس في إبرازها في هذا الفيديو وغيره من مقاطع الفيديو الدعائية المماثلة. وفي هذه، يبدو أن مقاتلي حماس يتبنون بوعي النظرة الدولية للجندي الحديث، وهي جمالية لها جذور في الجيش الأميركي، شائعة في ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي". يضيف: "يرتدي أبو عبيدة، الناطق الرسمي لكتائب القسام، دائمًا زيه المموه ويلف وجهه بالكوفية الحمراء. وواضح أن التمويه الذي يرتديه العديد من مقاتلي حماس في مقاطع الفيديو والصور قبل بدء الحرب مستوحى من أنماط التمويه المنقطة التي ترتديها القوات الأميركية في الحرب على الإرهاب".
رمز واضح
بحسب ماكفارلين، الزي الرسمي للجيش الإسرائيلي الذي ظل من دون تغيير منذ أوائل الخمسينيات هو جزء أساسي من هوية إسرائيل، وقد صُنعت الملابس الصلبة ذات اللون الأخضر الزيتوني بالقطن. في وقت سابق من هذا العام، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيقدم زيًا رسميًا آخر مصنوعًا بأقمشة تقاوم اللهب وتمتص الرطوبة. الجدير بالذكر أن من النادر ألا يرتدي الجيش في القرن الحادي والعشرين زيًا مموهًا؛ وإسرائيل واحدة من دول قليلة لا تعتمد الزي المموه، لأن اللون الأخضر الزيتوني يسهل التعرف على الوحدات الصديقة في الميدان. يقول ماكفارلين: "الزي الرسمي رمز واضح لقوة الدولة أو المجموعة السياسية وتذكير باحتكار العنف الذي لديهم أو يرغبون في ممارسته. يخبرنا الزي الرسمي شيئًا عن كيفية رؤية المجموعة لنفسها وكيف ترغب في أن يُنظر إليها؛ إن الطريقة التي تقرر بها هذه القوى ارتداء الملابس هي الشكل الأكثر وضوحًا للتواصل مع العالم". يضيف: "الملابس لغة. تنقل للمشاهد، بوعي أو بغير وعي، أشياء عن مرتديها، أو تضع مرتديها في عالم من الرموز المألوفة. في عالم ما بعد الحداثة هذا، يصعب فك العديد من الرموز المختلطة التي يمكن أن تبدو متعارضة، وهذا سبب إضافي لمحاولة فهم ما يرتديه المقاتلون".
يتألف الجيش الإسرائيلي من مواطنين إسرائيليين مجندين، لذا أصبح الزي الأخضر الزيتوني رمزًا دائمًا للجيش والدولة ككل. في مقال نُشر مؤخرًا في صحيفة هآرتس اليومية الإسرائيلية، كتبت المؤرخة وباحثة الموضة الدكتورة داليا بار أور: "لا يزال الجمهور يعتقد أن الجيش الإسرائيلي هو جيش الشعب، وبالتالي لا يزال الزي الرسمي رمزًا للتيار الإسرائيلي السائد الذي يراه الناس ويريدون أن ينتموا إليه".
معنى آخر
بحسب ماكفارلين، في الأشهر التي سبقت الحرب، كان للزيتون الأخضر أيضًا معنى جديد. ظهر هذا اللون رمزًا في الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية التي اقترحتها حكومة نتنياهو، واعتمدت منظمة احتياط تابعة للجيش الإسرائيلي تسمى "إخوة السلاح" القمصان ذات اللون الأخضر الزيتوني كزي رسمي فعلي في الاحتجاجات لاستحضار خدمتهم العسكرية. بعد وقت قصير من هجمات 7 أكتوبر، عاد الزي الأخضر الزيتوني بسرعة إلى دوره كرمز لسلطة الدولة والعنف. وشوهد جوناتان يوريش، المستشار الإعلامي لنتنياهو يرتدي زي الجيش الإسرائيلي أثناء عمله، على الرغم من عدم استدعائه للخدمة.
يضيف ماكفارلين: "الأغرب هو أن عضو الكونغرس الأميركي من فلوريدا، الجمهوري بريان ماست، ارتدى زي الجيش الإسرائيلي القديم في الكابيتول هيل، قائلًا: "باعتباري العضو الوحيد الذي خدم في جيشي الولايات المتحدة وإسرائيل، سأقف دائمًا مع إسرائيل".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها تشارلز ماكفارلين ونشرها موقع مجلة "نيو لاينز"