إيلاف من الرباط: قال العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن احتضان المغرب للاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يشكل شهادة على التزام المملكة بدورها في تعزيز العلاقات الدولية.
واضاف الملك محمد السادس قائلا في رسالة وجهها إلى المشاركين في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي،المنعقدة بمراكش،وتلاها اليوم مستشاره عمر القباج:"إننا نعتبر احتضان بلادنا لهذه الاجتماعات ثمرة لشراكة انطلقت منذ أمد بعيد بمعية مؤسسات "بريتون وودز"،وهو كذلك شهادة على الثقة في قوة إطارنا المؤسساتي وبنياتنا التحتية والتزامنا بدورنا في تعزيز العلاقات الدولية".
جانب من اجتماعات مراكش
وذكر عاهل المغرب أن المقاربة التي يعتمدها المغرب ترجح كفة الانفتاح الاقتصادي والتعاون، مشيرا إلى أن المملكة المغربية انخرطت في مختلف الخطط والبرامج العالمية، سواء في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، أو بالتصدي للتغيرات المناخية، أو بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال وتنامي انعدام الأمن السيبراني الذي أفرزته الثورة الرقمية.
أما على الصعيد الداخلي، يضيف الملك محمد السادس،فقد أطلق المغرب، منذ مطلع القرن الحالي، مجموعة من الإصلاحات المجتمعية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى، فضلا عن برنامج ضخم للبنيات التحتية، بالموازاة مع الحرص على المحافظة على التوازنات الماكرو-اقتصادية التي يعتبرها "ضمانة للسيادةوالمرونةالاقتصاديتين".
واعتبر ملك المغرب أن الأمر يتعلق بمقاربة متوازنة تسخر السياسة الاقتصادية لخدمة التنمية البشرية التي "جعلناها أولوية مطلقة منذ اعتلائنا العرش، وهو اختيار ما فتئنا نعززه منذ جائحة كوفيد-19". وزاد قائلا "أطلقنا، في هذا المضمار، ورشا غير مسبوق يستهدف تعميم الحماية الاجتماعية في بلدنا".
وقال الملك محمد السادس "بدأنا نستشعر نتائج هذه الرؤية بشكل ملموس"، مؤكدا أن الاقتصاد المغربي أبان عن قدرة مهمة على الصمود في ظل هذا السياق الدولي المعقد وغير المستقر، والذي شهد خلال السنوات الأخيرة صدمات متتالية خارجة عن إطار المتوقع والمألوف.
ارض السلام والامن والاستقرار
على صعيد اخر،قال الملك محمد السادس إن بلاده تمكنت من توطيد تموقعها باعتبارها أرضا للسلام والأمن والاستقرار، وبوصفها شريكا ذا مصداقية، وقطبا اقتصاديا وماليا على الصعيدين الإقليمي والقاري.
وشدد ملك المغرب على أن المنظور الذي تقوم عليه الرؤية الملكية للتنمية في المغرب، يستند إلى "مؤهلاتنا التي هي تاريخنا العريق، ووضع بلدنا باعتباره مهدا للسلام وتلاقح الحضارات وتعايش الديانات والثقافات؛ ثم الموقع الجغرافي لبلدنا كصلة وصل بين إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا".
مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا
وأعرب العاهل المغربي عن سعادته، بانعقاد هذا المنتدى المرموق مرة أخرى في القارة الإفريقية بعد نصف قرن، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد عشرين سنة من دورة دبي 2003.
وقال "إنه لمن دواعي سرورنا أن نرحب بكم في المملكة المغربية، وفي مدينة مراكش العريقة الغنية بتاريخها وتراثها الثقافي والحضاري، مما جعل منها قبلة سياحية عالمية، وملتقى أثيرا لاحتضان التظاهرات الدولية الكبرى التي طبع بعضها تاريخنا الحديث".
وذكر ملك المغرب بقمة "الغات" لسنة 1994 التي شهدت ميلاد منظمة التجارة العالمية، ثم اخيرا مؤتمر الأطراف (كوب 22) في العام 2016. وأعرب عن تقديره للمشاركين، لما أبانوا عنه من "مشاعر الصداقة والثقة في بلادنا، من خلال حضوركم اليوم بمراكش، بعيد الزلزال المؤلم الذي ضرب بلادنا"، وكذا للدول والهيئات التي عبرت عن استعدادها لدعم المغرب لاسيما في مرحلة إعادة الإعمار.
تمكين القارة الإفريقية من المكانة اللائقة
في سياق اخر، قال الملك محمد السادس إن المغرب يتطلع، من منطلق انتمائه الإفريقي، إلى تمكين القارة الإفريقية من المكانة اللائقة بها ضمن بقية الهيئات الدولية، بعد أن صار صوتها ممثلا بالاتحاد الإفريقي، ومسموعا في مجموعة العشرين. وأضاف الملك محمد السادس، أن دول القارة من أكثر بلدان العالم تضررا من آثار التغيرات المناخية، رغم تصنيفها ضمن البلدان الأقل مساهمة في الأنشطة المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض.
ودعا عاهل المغرب إلى إعادة ضبط القواعد والأطر المنظمة لمعالجة إشكالية المديونية، بما يجعلها تراعي بشكل أفضل ما تعانيه الفئة الأكثر مديونية من الدول ذات الدخل المنخفض من إكراهات تحد من قدرتها على المبادرة ومواجهة التقلبات.
واعتبر محمد السادس أن إفريقيا، التي يرتقب أن تأوي ربع سكان العالم في سنة 2050، يحق لها أن تستفيد اليوم من الشروط الكفيلة بتمكينها من تعزيز هوامش المناورة التي تمتلكها، واستثمار مؤهلاتها في الاستجابة لاحتياجات سكانها، في عالم تخيم عليه أجواء الاضطراب واللا يقين، وتطبعه تحولات عميقة طالت النماذج والمنظومات القائمة.
وذكر، في هذا السياق، بأن المغرب عمد إلى جعل التعاون جنوب-جنوب منطلقا أساسيا للانفتاح، معتمدا في ذلك نهجا يروم تحقيق التنمية المشتركة مع البلدان الشقيقة والصديقة في القارة الإفريقية.
الحاجة لإصلاح المؤسسات وقواعد نظام تعددية الأطراف
وتحدث الملك محمد السادس عن التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي شهدتها السنوات الأخيرة، وقال إنها تستدعي إصلاح المؤسسات والقواعد التي تحكم نظام تعددية الأطراف. وأبرز أن "ما نشهده اليوم من تشرذم جيو-اقتصادي وتنام للنزعات السيادية، التي يعزى جزء منها إلى الرغبة في إعادة ضبط موازين القوى الاقتصادية والسياسية على الصعيد العالمي، بات يشكل تهديدا للتقدم الكبير الذي تم إحرازه خلال العقود الأخيرة في ظل تعددية الأطراف".
وأوضح ملك المغرب أن إصلاح المؤسسات والقواعد التي تحكم نظام تعددية الأطراف، يقتضي كذلك توطيد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها هذا النظام وإذكاء الروح التي تلهمه، مشيرا إلى أن هذه المبادئ "ما تزال ضرورية لحفظ الاستقرار والسلم العالميين، والدفع قدما بتضافر الجهود للتغلب على التحديات المشتركة التي تواجه كوكبنا وشعوبنا".
وأشار الى أن التصدي للتحديات العالمية يتطلب حلولا عالمية لا تتيسر إلا في إطار الوحدة والاحترام المتبادل بين الأمم، لاسيما عبر إدماج التنوع وتثمينه، باعتباره قيمة مضافة لا مصدرا للنزاع والفرقة مع مراعاة خصوصيات كل دولة ومنطقة. ودعا العاهل المغربي أيضا إلى إعادة النظر في المنظومة المالية العالمية والعمل على تحسينها لتصبح أكثر إنصافا واستيعابا لمصلحة الجميع، معتبرا أن هذه الاجتماعات السنوية تشكل، من هذه الناحية، أنسب فضاء لاحتضان حوار ونقاش بناء بشأن هذا الإصلاح.
وموازاة مع ذلك، قال الملك محمد السادس إن العولمة، التي بدأ مدها منذ ثمانينيات القرن الماضي وساهمت في خفض تكاليف الإنتاج وتشجيع التجارة العالمية، كانت من بين العوامل المساهمة في تخفيف حدة التضخم الذي ينهك اليوم القدرة الشرائية للأسر في جميع أنحاء العالم، وذلك رغم السياسات النقدية المتشددة التي "وإن كان جلها قد طبق بشكل متزامن، لم تخل من تداعيات على النشاط الاقتصادي".
وسجل ملك المغرب أن العولمة مكنت من تحقيق بعض التقدم الملموس من خلال تحسين مستويات العيش، مما أسهم في تخليص فئات عريضة من سكان العالم من وطأة الفقر، بالرغم مما رافقها من آثار جانبية، خاصة ما تعلق منها باتساع هوة الفوارق والتفاوتات.
اعلان مراكش
في غضون ذلك، توج الاجتماع الوزراي رفيع المستوى حول تسريع تمويل الانبثاق الإفريقي، المنعقد الخميس بمراكش، على هامش الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليين، باعتماد “إعلان مراكش” الذي دعا إلى إرساء "بنية مالية عالمية أكثر إنصافا ومواءمة لتنمية إفريقيا".
ودعت البلدان الـ 48 المشاركة في هذا الاجتماع المنظم من قبل المملكة المغربية، في هذا الإعلان، إلى تحقيق أولويات نمو القارة، التي تحترم سيادة الدول الإفريقية ووحدة أراضيها وتسهم في رفاه سكانها. كما حثت على تعزيز جهود التعاون، سواء في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف، لدعم البلدان الإفريقية للحد من العجز في البنية التحتية، لا سيما من خلال زيادة التمويل، وتوفير ونقل الخبرات التقنية والتكنولوجية، وكذا تعزيز القدرات. وطالبت البلدان الإفريقية، مخاطبة الجهات المانحة والشركاء والبلدان الصديقة، كذلك، بدعم انبثاق قطاع خاص حيوي يخلق ثروة قادرة على مواكبة تطوير مشاريع مهيكلة للبنيات التحتية وسد فجوة تمويل البنيات التحتية. وخلال هذا الاجتماع، دعت هذه البلدان وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية إلى "العمل على تتبع تنفيذ هذا الإعلان وإحداث فريق عمل إفريقي يتم وضعه رهن إشارة بلدان القارة لتبادل الممارسات الفضلى والخبرات في مهن تطوير وتمويل البنيات التحتية بإفريقيا، ومواكبة تطوير مشاريع البنيات التحتية المهيكلة والقابلة للتمويل، ودعم مشاريع البنية التحتية الإفريقية خلال الحملات الترويجية لرصد الموارد المالية لدى المستثمرين المحتملين". وأعربت أيضا عن تأييدها لدعم إحداث وتفعيل فريق العمل المشترك بين البلدان الإفريقية في إطار حوار مفتوح يهدف إلى تعزيز أنشطة النهوض بالبنية التحتية بإفريقيا. إضافة الى ذلك، جددت هذه البلدان التأكيد على التزامها بالعمل من أجل إرساء تنمية إفريقية مشتركة مستدامة يضطلع فيها الاستثمار في البنية التحتية بدور قاطرة للتنمية، وذلك في إطار المبادرات القارية والإقليمية المشتركة، والاستفادة من المبادرات الدولية في مجال البنيات التحتية لصالح انبثاق القارة الإفريقية وتكثيف جهودها المشتركة لتعزيز مناخ الأعمال من خلال تحسين الظروف الهيكلية للاستثمار وتعبئة التمويل لتحفيز الانتعاش الاقتصادي وخلق بيئة مواتية لريادة الأعمال والابتكار.
وجددت البلدان ذاتها التأكيد على التزامها بتشجيع إرساء نموذج متميز لحكامة المناخ بفضل روح الشراكة والتعاون الإفريقي، والعمل على تعبئة مختلف مصادر التمويل، ولاسيما القطاع الخاص، من أجل التصدي بفعالية أكبر للتحدي المتعلق بالبنيات التحتية في إفريقيا والحد من الضغط على مواردها العمومية.
من جهة أخرى، أفاد الإعلان أنه بالرغم من الجهود المبذولة، لا تزال بلدان القارة تواجه تحديات كبيرة، من حيث البنيات التحتية التي تلعب دورا حاسما في تطوير صناعاتها، وسلاسل القيمة الخاصة بها، وخلق فرص العمل، وتحسين مستوى معيشة سكانها والمساهمة في تحقيق أهداف أجندة 2030 و2063. وأكد (إعلان مراكش) أيضا على أن مسألة التمويل تظل بالتالي رهانا حاسما يتعين رفعه من أجل تطوير برامج طموحة للبنيات التحتية قادرة على سد العجز في البنيات الأساسية الذي تعاني منه البلدان الإفريقية، مبرزا أن هذا الجهد التمويلي لا يمكن ضمانه من خلال الموارد العمومية فقط.
وأشار الاعلان إلى أن غياب التضامن الدولي الفعال والدائم، يتسبب في تباطؤ زخم العمل المناخي بإفريقيا، مما يجعل القارة، التي لم تتلق إلى غاية 2020، سوى 12 في المائة من تدفقات التمويل السنوية التي تحتاجها،تسجل خسائر مهمة.
|