كورنيدزور (ارمينيا): أعلن الانفصاليون في ناغورني قره باغ الجمعة أنهم يتفاوضون مع باكو على سحب قواتهم بعد أن سيطرت أذربيجان على الإقليم المتنازع عليه في عملية عسكرية خاطفة.
وأجرت أذربيجان الخميس جولة أولى من محادثات "إعادة الإندماج" مع المتمردين الأرمينيين عقب موافقتهم على إلقاء سلاحهم في مواجهة الهجوم العسكري الذي استمر يوماً كاملاً.
وقال الانفصاليون في بيان إنهم يجرون مفاوضات مع الجانب الأذربيجاني برعاية قوة حفظ السلام الروسية لتنظيم عملية انسحاب القوات وضمان عودة المواطنين الذين شردهم العدوان العسكري إلى منازلهم.
وذكرت موسكو أن الانفصاليين سلموا ست مركبات مدرعة وأكثر من 800 قطعة سلاح حتى الآن.
وجاء الإعلان مع تصريح المتحدثة باسم الانفصاليين أرمين هايرابيتيان لوكالة فرانس برس أن القوات الأذربيجانية تمركزت على مشارف ستيباناكيرت "عاصمة" إقليم ناغورني قره باغ الانفصالي الذي تسكنه أغلبية أرمينية.
وقالت هايرابيتيان إنّ "الوضع في ستيباناكيرت مروّع، القوات الأذربيجانية... على مشارفها ويخشى الناس أن يدخل الجنود الأذربيجانيون المدينة في أيّ وقت ويرتكبوا مذابح".
حصار فعلي
وتصاعدت الضغوط الدولية على أذربيجان لإعادة فتح الطريق الوحيد المؤدي من قره باغ إلى أرمينيا والذي يطلق عليه اسم ممر لاتشين، حتى تتمكن الإمدادات والأشخاص من الدخول والخروج.
وحاول المدنيون القلقون الجمعة الوصول إلى آخر نقطة تفتيش يسيطر عليها الجيش الأرميني أملا في دخول ناغورني قره باغ.
وقال غاريك زاكاريان (28 عاماً) الذي كان يحاول الوصول إلى أسرته داخل الإقليم "انتظرت ثلاثة أيام وثلاث ليال. أنا أنام في السيارة".
وأضاف لوكالة فرانس برس "لا أمل لدي".
وقال الانفصاليون إن الجانبين يناقشان إجراءات دخول المواطنين إلى ناغورني قره باغ والخروج منها، حيث يعيش نحو 120 ألف شخص من العرق الأرميني.
وقبل اندلاع المعركة الأخيرة، فرضت أذربيجان حصاراً فعلياً لمدة تسعة أشهر، ما زاد الضغط على سكان المنطقة.
مساعدات إنسانية
من جهتها، ذكرت وكالة الأنباء الأذربيجانية الرسمية "أزيرتاغ" أنّ باكو أرسلت 40 طنّاً من المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، مشيرة إلى أنّ رئيس البلاد إلهام علييف وعد بضمان حقوق الأرمن الذين يعيشون فيها.
وأعلن حكمت حاجييف مستشار السياسة الخارجية للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أن باكو أكدت للجنة الدولية للصليب الأحمر أنها يمكن أن ترسل مساعدات وتساعد في إجلاء المقاتلين الجرحى.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها قامت بإجلاء تسعة جرحى الجمعة.
وأضافت المنظمة الدولية في بيان أن "السكان اتصلوا أيضا باللجنة الدولية للصليب الأحمر للمساعدة في إجلاء جثث أقاربهم المتوفين".
وكانت منطقة ناغورني قره باغ في قلب الصراع لأكثر من ثلاثة عقود بين البلدين الخصمين في القوقاز أرمينيا وأذربيجان منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
ويؤجج انتصار أذربيجان المخاوف من رحيل سكان الإقليم البالغ عددهم 120 ألفا، ولو أن أرمينيا أكدت أنه من غير المتوقع تنفيذ أي عملية إجلاء جماعية.
من جهته، اعترف رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان خلال جلسة مجلس الوزراء، بأنّ "الوضع" لا يزال "متوتراً" في ناغورني قره باغ حيث "تستمرّ الأزمة الإنسانية".
ولكنه أضاف أنّ "هناك أملاً في دينامية إيجابية"، مشيراً إلى أن وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ الأربعاء بين الانفصاليين الأرمن وباكو يُحترم "بشكل عام"، على الرغم من "الانتهاكات المتفرّقة" التي تم الإبلاغ عنها الخميس.
ضغوط على باشينيان
وأشارت يريفان إلى أنها لا تتوقع تدفقاً واسع النطاق للاجئين في الوقت الحالي، لكنها مستعدة لاستقبال 40 ألف أسرة إذا لزم الأمر.
وقالت أذربيجان الخميس إن الجولة الأولى من محادثات السلام كانت "بناءة" وأعرب الجانبان عن استعدادهما لمزيد من المفاوضات.
وبحسب آخر حصيلة صادرة عن الانفصاليين الأرمن، فإنّ العملية العسكرية الأذربيجانية التي انتهت خلال 24 ساعة ظهر الأربعاء خلّفت ما لا يقل عن 200 قتيل و400 جريح.
لكن في أرمينيا تكثفت الضغوط على باشينيان الذي واجه انتقادات لاذعة لتقديمه تنازلات لأذربيجان منذ خسارته مساحات واسعة من الأراضي في حرب استمرت ستة أسابيع عام 2020.
وقالت الشرطة إن 98 شخصاً اعتقلوا عندما أغلق متظاهرون مناهضون للحكومة الشوارع في يريفان الجمعة لليوم الثالث تواليا من الاحتجاجات على طريقة تعامل رئيس الوزراء مع الأزمة.
وقال ديفيد دافتيان وهو محام يبلغ 44 عاما "إما أنه لا يفهم الوضع أو يكذب علينا عمدا" مضيفا "في كلتا الحالتين عليه أن يستقيل".
ودعا باشينيان إلى الهدوء بعد المواجهات في الشوارع، متعهدا بالتصرف بحزم ضد مثيري الشغب.
واتهم رئيس الوزراء الأرميني الخميس روسيا التي تنشر قوة في ناغورني قره باغ منذ الحرب الأخيرة في 2020، بأنها أخفقت في مهمتها لحفظ السلام في الإقليم ذي الغالبية الأرمينية.
وقال باشينيان في خطاب متلفز "لا أعتقد أن علينا تجاهل إخفاق قوة (حفظ) السلام في ناغورني قره باغ".
وساطة روسية
وأكدت أذربيجان الخميس مقتل ستة جنود روس من قوة حفظ السلام خلال الهجوم الأذربيجاني.
وتقدّم رئيس أذربيجان إلهام علييف بـ"اعتذار" من الرئيس فلاديمير بوتين عن مقتل الجنود بالرصاص، وفق ما أعلن الكرملين الخميس.
ورغم انشغال روسيا حالياً في الحرب ضد أوكرانيا، إلا أنها لعبت دوراً محورياً في التوسط لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات السلام.
وقال الكرملين إن النزاع حول الدولة التي تنتمي إليها قره باغ قد تمت تسويته الآن وأن الظروف مهيأة للتوصل إلى سلام دائم بين باكو ويريفان.
وشكّل إقليم ناغورني قره باغ الذي تقطنه غالبية من الأرمن محور نزاع مديد. وخاضت الجمهوريتان السوفيتيان السابقتان أذربيجان وأرمينيا حربين بشأنه، إحداهما بين 1988 و1994 راح ضحيتها 30 ألف قتيل، والثانية في 2020 انتهت بهزيمة يريفان.