تمكنت مجموعة من المدنيين الذين تمّ إجلاؤهم من مدينة ماريوبول المحاصرة، من الوصول إلى منطقة الأمان النسبي في مدينة زابوريجيا، بعد رحلة استمرت 200 كيلومتر.
ومن بين أفراد هذه المجموعة، 69 شخصاً كانوا قد لجأوا إلى المخابئ أسفل مصنع أزوفستال الضخم للصلب.
وهذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها اتفاق حول ممرّ إنساني لإخراجهم من مصنع الصلب.
وقالت امرأة من المجموعة المغادرة لبي بي سي :"كدنا نفقد الأمل بأن نخرج يوماً ما".
وقبل عملية الإجلاء هذه، فشلت محاولات عدة للمحادثات حول خروجهم الآمن.
ولا يزال المئات من المدنيين عالقين داخل المصنع، وفق ما أفاد مقاتلون أوكرانيون. وليس واضحاً بعد ما إذا كانت ستبذل المزيد من المحاولات لإنقاذهم.
وقال المقاتلون داخل المصنع إن القوات الروسية استأنفت قصفها، فور خروج المجموعة يوم الأحد.
ومع وصول المجموعة إلى زابورجيا، ساد العناق، وذرفت الدموع تعبيرا عن التعب والراحة في آن واحد.
وترجلت كاتارينا من الباص، حاملة كل ما تملكه الآن في حقيبة ظهر. وكان ولداها البالغان من العمر 6 أعوام و11 عاماً يفركان عينيهما ويبدو عليهما التعب.
وعاش من تم إجلاؤهم مدة شهرين في أعماق مصنع الصلب الخفية في ماريوبول، بينما كانت القنابل الروسية تقصف الموقع. وكانت الإمدادات الوحيدة هي حصص الإعاشة التي وزعها الجنود الأوكرانيون.
وقالت كاتارينا: "منذ الصباح وخلال الليل كنا نتعرض للقصف. مدافع وصواريخ وغارات جوية".
وأضافت: "لم يستطع أطفالنا النوم، كانوا يبكون، كانوا خائفين ونحن أيضا".
وتابعت قائلة: "كانت هناك أحياناً كثيرة كنا نفقد خلالها الأمل في أن نخرج يوماً ما". نحن سعداء للغاية لوجودنا في أوكرانيا."
لكن الحرب تركت تداعياتها على مدينتهم الأمّ، والتي رأوا حطامها عندما غادروا: "ما رأيناه كان مجرد صناديق بثقوب سوداء ضخمة. لقد اختفت المباني السكنية. فقط بقاياها ظلّت هناك".
إيرين، التي أجليت هي أيضاً من المصنع، برفقة ابنتها البالغة من العمر 17 عامًا، وجدت على الأقل بعض الراحة.
وقالت: "عشنا على أمل أن يكون كل يوم هو آخر يوم في هذا الجحيم. وأن نعود إلى منزلنا في ماريوبول المسالمة، لكنه الآن غير موجود".
وكانت العملية التي نفذتها الأمم المتحدة والصليب الأحمر معقدة - وخطيرة في بعض الأحيان. ووجد موظفو الأمم المتحدة المنطقة مليئة بالألغام الأرضية. واضطروا في وقت ما إلى الانسحاب بعد قصف مدفعي.
وقال قائد عمليات الأمم المتحدة سيباستيان رودس ستامبا: "عندما تقدم الفريق للتلويح براية ومحاولة إخراج هؤلاء الأشخاص، كان هناك عدد من الألغام التي يجب إزالتها من الجانب الأوكراني - مصنع الصلب - ومن الجانب الروسي".
وأضاف: "كانت هناك بعض قذائف الهاون، لا أعرف من أين أتت. لا أعرف من أطلقها. وتوقف إطلاقها بسرعة إلى حد ما".
وقال إنه وجد هذه التجربة "مؤلمة للغاية".
وتابع بالقول: "لقد خرجوا ورأوا المدينة التي نشأوا فيها مدمّرة. هناك قبور على الرصيف وعلى كل قطعة أرض من العشب يمكنك أن تجدها".
"لقد أصيبوا بالرعب. عليك أن تفهم، لقد ظلوا تحت الأرض لمدة شهرين ولم يشاهدوا أي أخبار".
وقال ستامبا: "كان هناك طفل يبلغ من العمر ستة أشهر لم ير العشب قط، فقد ولد خلال الشتاء وكان مندهشاً من مدى اخضرار العشب. كان يريد أن يلعب به ويلمسه".
في النهاية، أنقذ أكثر من 100 شخص من ماريوبول هذه المرة - وهي لحظة نادرة من التقدم على مستوى الجهود الإنسانية في هذه الحرب.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن الإخلاء الذي نجح كان نتيجة مفاوضات ووساطات طويلة.
وأَضاف "سنواصل بذل قصارى جهدنا لإخراج كل أفراد شعبنا من ماريوبول وآزوفستال". إنه أمر صعب، لكننا نحتاج إلى كل من يبقى هناك - مدنيين وجنود ".
ولا يزال الآلاف في المدينة، إلى جانب مئات العالقين في الأنفاق التي تشبه المتاهة أسفل مصانع الصلب. وقال الصليب الأحمر إنه مسرور لنجاح عملية الإجلاء، لكنه شعر بالإحباط لأن العديد من الأشخاص تركوا في "الجحيم".