اسطنبول: استأنف الخصمان التاريخيان تركيا وأرمينيا أولى الرحلات الجوية التجارية بينهما بعد توقف دام عامين، ضمن مساع حذرة لتطبيع العلاقات المتوترة بين البلدين.
ولا ترتبط أرمينيا وتركيا بعلاقات دبلوماسية، كما أن بينهما حدودا برية مغلقة وتاريخا طويلا من العداء تعود جذوره للمذابح التي تعرض لها الأرمن إبان السلطنة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى.
لكن في كانون الأول/ديسمبر، عين البلدان موفدين خاصين لتطبيع العلاقات، برعاية القوة الإقليمية روسيا، وأذربيجان حليفة تركيا والعدو اللدود لأرمينيا.
وجاءت هذه الخطوة بعد عام من استخدام أذربيجان طائرات تركية مسيّرة في الحرب لاستعادة معظم الأراضي التي استولت عليها أرمينيا في التسعينات في منطقة ناغورني كاراباخ المتنازع عليها.
هدنة
وساهمت الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة روسية لانهاء النزاع العسكري الثاني بين البلدين في إزالة اعتراض تركيا الرئيسي للتعامل مع أرمينيا، أي دعم يريفان لمطلب حكومة ناغورني قرة باغ المحلية بالاستقلال عن أذربيجان.
والتقى الموفدان في موسكو الشهر الماضي وأجريا ما وصفاه بانه محادثات "بناءة" تجنبت إثارة مسألة رفض تركيا الاعتراف بأن قتل أكثر من مليون أرميني بين عامي 1915 و1916 هو إبادة جماعية.
ووافق البلدان الجاران على استئناف الرحلات الجوية في الوقت نفسه تقريبا.
وهبطت أول رحلة لشركة "فلاي وان أرمينيا" المنخفضة التكلفة مساء الأربعاء في مطار اسطنبول قادمة من يريفان، وسط حفاوة من مسؤولي المطار الذين رحبوا بالركاب بتقديم الورود والشوكولاتة لهم.
وقال أرام أنانيان الرئيس التنفيذي لشركة "فلاي وان أرمينيا" للصحافيين لدى نزوله من الطائرة "نعتقد أن هذه الرحلات هامة للحفاظ على العلاقات بين الجالية الأرمينية في اسطنبول وأرمينيا".
وتعد الجالية الأرمنية بين 50 الى 70 ألف نسمة تعيش غالبيتهم الساحقة في اسطنبول، المدينة الضخمة التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة.
وأقلعت طائرة أخرى تابعة لشركة "بيغاسوس" التركية من مطار صبيحة غوكتشن في اسطنبول في ساعة متأخرة الأربعاء متوجهة الى العاصمة الأرمينية، وسط تغطية من عدد كبير من الصحافيين الأتراك والأذربيجانيين.
أزمة تأشيرات
لكن مراسلا لوكالة فرانس برس أفاد بأن البعض من بين المائة راكب تقريبا الذين اشتروا تذاكر سفر لم يسمح لهم بالصعود الى الطائرة لعدم استحصالهم على تأشيرات أرمينية كانوا يتوقعون الحصول عليها عند وصولهم إلى يريفان.
وقال التركي سيزار يليديرم قبل ركوب الطائرة في اسطنبول "أرى أن أرمينيا وتركيا شقيقتان: جزء من عائلتي هنا والجزء الآخر في أرمينيا".
وأضافت نارين أيفازيان وهي أرمينية تعيش في تركيا "أنا واثقة من أن المزيد من الأمور الجيدة ستتبع، بإذن الله".
وقالت متحدثة باسم "بيغاسوس" إن الشركة ستسيّر ثلاث رحلات من وإلى يريفان اسبوعيا، بينما أفاد أنانيان لوكالة فرانس برس إن "فلاي وان" ستسيّر رحلتين أسبوعيا ذهابا وإيابا بين يريفان واسطنبول.
ووصف محللون استئناف الرحلات بالخطوة الإيجابية ولكن الحذرة في طريق صعب نحو تطبيع العلاقات المتوترة بين الجانبين.
وقال توماس دي وال من معهد "كارنيغي أوروبا للأبحاث" لوكالة فرانس برس "إنها بالطبع أخبار جيدة لكنها أيضا استعادة لوضع سابق".
أضاف أن "مشاركة بيغاسوس، شركة الطيران التركية بدلا من رحلات تشارتر كما في السابق، خطوة إيجابية لكن لا تنطوي على تغيير كبير".
وتابع "رغم أني أرحب بذلك كثيرا، أتردد في إيلائه الكثير من الأهمية السياسية".
توقفت الرحلات بين العاصمتين بعد إعلان شركة أطلس غلوبال التركية للطيران المنخفضة التكلفة، والتي كانت تسير العديد من الرحلات اسبوعيا، إفلاسها في شباط/فبراير 2020.
ثم اضطر الركاب الى القيام برحلات طيران غير مباشرة والتوقف في جورجيا.
والحدود البرية مغلقة بين تركيا وأرمينيا منذ 1993 ما أرغم الشاحنات على السفر عبر جورجيا أو إيران.