في الدبلوماسية لغتان: المعلن والمضمّن. كلاهما يفضي إلى غاية واحدة هي تحسين أو تمتين العلاقة بين فريقين. لكن إعلان العلاقة من خلال اللقاءات الشخصية بين القادة هو رغبة متبادلة في التأكيد على أن تلك العلاقة بلغت أعلى درجات الثقة والمودة.
واضح أن الرئيس الشرع تعمد أن تكون الرياض أول عاصمة يزورها. وواضح أيضاً أن الرياض تتوقع هذه الخطوة العاجلة في ضوء المتغيرات الكبرى التي تجاوزت نتائجها الأحوال والأوضاع الفردية، إلى الوضع الإقليمي وأبعاده الدولية.
العالم بأجمعه يراقب سوريا منذ سقوط النظام. والعالم كله يريد أن يعرف أي موقع تريد أن تختار في ذروة التحولات. وبدل أن نرى دمشق في «الشرق الأوسط الجديد»، رأيناها تعود مع أحمد الشرع إلى «الشرق الأوسط القديم». إلى يوم كانت العلاقة بين الدولتين، منذ أيام الملك عبد العزيز، أقرب إلى التوأمة، في السياسة والتجارة والتبادلات العائلية. وكانت «البادية» واحدة، تبدأ الواحدة حيث تنتهي الأخرى.
استمرت العلاقة على هذا المنوال يعتريها أحياناً بعض التوتر عندما يضرب سوريا شيء من عدم الاستقرار والانقلابات العسكرية. لكن حتى في عهد حافظ الأسد، حافظت العلاقة على توازن شديد في تجاذبات العالم العربي. وخلال حقبة طويلة كان هناك حلف ثلاثي غير معلن يجمع بين «القاهرة والرياض ودمشق»، يغني أحياناً عن الاتفاق العربي العام.
تغيرت هذه الحالة من حسن العلاقات بعد وصول بشار الأسد بقليل. في سرعة مذهلة قلب الرجل كل شيء. وراح يدمر علاقات دمشق مع الجميع في الداخل والخارج. وخصوصاً مع السعودية.
لا تحتاج عودة العلاقة الخاصة بين الرياض ودمشق أكثر من فتح الأبواب العالية. وقد فتح الأمير محمد بن سلمان البوابة الكبرى أمام الجار العتيق، والشريك المغيب، الذي يحاول ترميم علاقات سوريا، بدءاً بالشركاء الطبيعيين.
يشكل ما حدث في سوريا حدثاً هائلاً في كل الاتجاهات. الاتجاه الأول سوريا نفسها. الشرع يعيد رسم هويتها.