: آخر تحديث

قناة الجزيرة بين دعم الشعب وهدم عنوانه

13
13
11

في عصر الإعلام المفتوح والمتسارع، تلعب وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل الوعي العام وتوجيه الرأي العام نحو قضايا مختلفة. ومع ذلك، فإنَّ بعض الوسائل الإعلامية تمارس الغش والخداع عن طريق تقديم صورة مزدوجة: إظهار دعمها لشعب معين وحقوقه من جهة، والعمل على تقويض عنوانه ورموزه السياسية من جهة أخرى. قناة الجزيرة القطرية وسياستها تجاه الشعب الفلسطيني نموذج بارز لهذا التناقض.

الصورة المزدوجة: دعم الشعب أم تقويض النظام؟
تتبنى قناة الجزيرة خطابًا إعلاميًا يُظهر دعمها الصريح للشعب الفلسطيني، حيث تسلط الضوء على معاناته تحت الاحتلال الإسرائيلي وتتبنى قضايا عادلة مثل حقوق الإنسان والمقاومة المشروعة. ومع ذلك، فإن هذا الدعم المزعوم يصاحبه خطاب موجه يهدف إلى النيل من النظام السياسي الفلسطيني، سواء أكان ذلك من خلال تصويره كفاسد أو غير كفء أو حتى عن طريق التركيز على الخلافات الداخلية.

هذا التناقض يولد تساؤلات عديدة: هل الهدف الحقيقي هو دعم الشعب الفلسطيني، أم أن هناك أجندة خفية تهدف إلى تقويض رموزه السياسية وإضعاف قدرته على تحقيق أهدافه الوطنية؟

أساليب الغش والخداع الإعلامي:
الانتقائية في التغطية: تعتمد قناة الجزيرة على التركيز على نقاط الضعف في النظام السياسي الفلسطيني، مع تسخيف أو تجاهل أي إنجازات أو جهود مبذولة لتحسين الأوضاع. يتم تضخيم الأحداث السلبية بطريقة توحي بأن النظام السياسي هو العقبة الوحيدة أمام تحقيق تطلعات الشعب.

• الإيحاء بالدعم الشعبي: تقدم القناة نفسها كمنبر لصوت الشعب الفلسطيني، لكنها في الواقع تروج لروايات تعمل على تعزيز الانقسام الداخلي، مما يؤدي إلى إضعاف الوحدة الوطنية وتسهيل اختراق المواقف الفلسطينية.

• استخدام شخصيات محسوبة: يتم استضافة شخصيات محسوبة على تيارات معارضة أو ذات أجندات تتماشى مع الخط التحريري للقناة، ما يخلق صورة مشوهة عن الواقع الفلسطيني.

• التكرار والاستنزاف النفسي: التركيز المستمر على الفساد أو الفشل السياسي يخلق حالة من الإحباط لدى الجمهور، ويعزز مشاعر فقدان الثقة في أي قيادة فلسطينية.

• تضخيم صورة المقاومة الفلسطينية وتوجيهها بشكل انتقائي ومخادع: مما يساهم في تعزيز أشكال مقاومة أقل جدوى من حيث التكلفة والنتائج، على حساب الخيارات الأكثر فاعلية وتأثيرًا.

• تصوير عمليات المقاومة الفلسطينية كأنها جزء من حرب متكافئة بين طرفين: مما يضفي شرعية زائفة على الخسائر المدنية، ويغطي على حقيقة الإبادة الممنهجة.

• إيهام الجمهور العربي بعظمة المقاومة الفلسطينية وشعبها، مقابل تشويه القيادة السياسية واتهامها بالتواطؤ والخيانة، بهدف تقويض الدعم الموجه للقضية.

قد يكون الدافع وراء هذا النهج الإعلامي تحقيق عدة أهداف:

• تعزيز النفوذ الإقليمي: تعمل قطر، من خلال قناة الجزيرة، على تعزيز نفوذها السياسي في المنطقة عبر تبني قضايا معينة وتوجيهها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

• إضعاف الهوية الوطنية الفلسطينية: التركيز على عيوب النظام السياسي دون تقديم بدائل عملية يسهم في تآكل الثقة بين الشعب وقيادته، مما يضعف قدرة الفلسطينيين على تبوئهم لمكانتهم الطبيعية في المنطقة، بما يجعلهم بحاجة دائمة لوصاية ورعاية الغير، فيجعل ذلك من قطر دولة تتحدث باسم الفلسطينيين. 

• تصفية حسابات سياسية: قد يكون هذا النهج جزءًا من صراع إقليمي أوسع، حيث تستخدم القضية الفلسطينية كورقة ضغط لتحقيق مكاسب سياسية أو إضعاف خصوم إقليميين.

الآثار السلبية لهذا النهج:
• إضعاف التضامن الداخلي: يعمل هذا النوع من التغطية على تعميق الانقسامات الداخلية وزيادة الاستقطاب بين مكونات الشعب الفلسطيني.

• إفقاد الثقة بالإنتماء الوطني: بما يدفع الجمهور الى فقدان الثقة بهويته الوطنية التي فرضها ورسخها بمشوار طويل من النضال والتضحيات، الى صالح اعتناقه لأيديولوجيات لا وطنية (دينية _ أممية) يتم توجيهها وقيادتها من الخارج. 

• تشتيت الجهود الوطنية: بدلًا من توجيه الجهود نحو مواجهة الاحتلال، يتم صرف الانتباه نحو الخلافات الداخلية التي تغذيها هذه التغطيات.

• تنفير الشارع العربي من القضية الفلسطينية: عبر تصوير النظام السياسي كخائن لا يستحق الدعم، وحصر التعاطف بالشعب فقط، مما يحول الدعم إلى مجرد تعاطف لفظي دون أي خطوات عملية فعّالة.

إنَّ الممارسات الإعلامية التي تتبنى خطابًا مزدوجًا تدعي دعم الشعوب بينما تعمل على هدم رموزها تمثل شكلاً من أشكال الغش والخداع. وفي حالة قناة الجزيرة وتعاطيها مع القضية الفلسطينية، يتضح أن الهدف ليس دائمًا دعم الشعب الفلسطيني بقدر ما هو التلاعب بروايته واستغلال قضيته لتحقيق أهداف سياسية خاصة.

على الجمهور أن يكون واعيًا لهذه الأساليب وأن يسعى إلى استقاء المعلومات من مصادر متعددة لضمان تكوين رؤية متوازنة ومستنيرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف