: آخر تحديث

حرب الملائكة

14
15
13

قرون طويلة تتجرعون الهوان وتتنفسون الكذب كالهواء، وتدلسون على الله وعلى الناس. أفيقوا يرحمكم الله، وكفاكم من هذا المشهد المهين؛ فالقلوب مهمومة ومنفطرة، والعقول حائرة ومنشطِرة. لا شك أن لهذا الزلزال التقني، الذي لقننا درساً في نتائج التخلف والبداوة، هزات ارتدادية عاجلة وآجلة، بعد أن تنحسر موجة البكائيات واللطميات المزيفة المدفوعة مقدماً، والتي تتبناها تيارات التجارة بالدين والأرض والدماء.

لأنني عشت النكسة الأولى، وكنت في السابعة عشرة، أتذكر جيداً ما عانيته أنا وكل جيلي؛ فكر مشوش، ثقة مفقودة، ومستقبل غائم. فالذين ملكوا ناصية العلم والبحث هم الآن الأعلون، شئتم أم أبيتم. أما الذين غرقوا في مستنقع التواكل والغيبيات، فهاكم المصير عياناً بياناً: غابات من اللحى، ومكبرات الصوت، وأطنان من ملوثات الماء والهواء، وأفواج من الطرشان غادروا القرن الواحد والعشرين وهاجروا إلى القرن السادس، منتظرين كتائب الملائكة لتحارب عنهم معاركهم، بينما هم هنا قاعدون منتظرون الوعد السماوي بنصر المؤمنين، متناسين العدل الإلهي المطلق، الذي يقر أن النصر لمن يسعى إليه، لمن يعمل له، ولمن يتقن أدوات العصر وتقنياته.

إقرأ أيضاً: الكراهية النائمة والسلام الهش

 

وقد قُيض لي أن أعيش التجربة من الألف إلى الياء، ورأيت بأم عيني كيف يتحقق وعد الله الحق للمؤمنين الحقيقيين العاملين المجتهدين، الباحثين، الباذلين العرق والجهد ليل نهار. تدريبات، تأهيل، مناورات، خطط، بحث، تشجيع، عدل، مساواة، وقبل كل ذلك، هدف واضح وقضية عادلة يؤمن بها الجميع، وهي رد اعتداء واسترجاع أرض مغتصبة. رأيت هذه المعجزة وعشتها، وقامت الحرب، وكنت في الأنساق الأولى، وكوفئت مع الجميع بنصر مبين. لم أرَ ملائكة تحارب معي أو عني، كما يروج المرجفون المدلسون بغرض نزع فضل أي جهد وعرق ودم إنساني بُذل. وللأسف، التصقت هذه الثقافة بالأدمغة، وأصبحت مجتمعات بكاملها في انتظار حلول السماء، لأنه لا فائدة تُرجى من أي جهد مبذول! وأصبحت الكرة في ملعب السماء، بدءاً من ميادين الحروب إلى ملاعب الكرة.

إقرأ أيضاً: وهم القداسة

تم تديين كل القضايا بامتياز، وبالتالي أدار العالم ظهره لنا ولقضايانا، ذلك العالم الذي سبق وذاق مرارة تديين القضايا والمجتمعات، ولم يصنع نهضة إلا بالفصل الواضح الجلي بين الدين كعلاقة خاصة بين العبد وخالقه، وبين مجتمع متعدد متغير متطور حر يحكمه القانون الذي يساوي بين الجميع، ويسري على الجميع على اختلاف ألوانهم وأديانهم وأجناسهم.

إقرأ أيضاً: ولائم لديدان الأرض

أفيقوا، لعله يرحمكم الله. خذوا بناصية العلم والبحث والتجريب، ساهموا في إعمار الكون واللحاق بالركب الإنساني الذي سبقنا بسنين ضوئية. أنقذوا هؤلاء الشباب الضائع التائه المتخبط الحائر. أفيقوا من هذا الوهم المدمر قبل أن يبتلعكم الطوفان. فلن ترسل السماء ملائكة لتحارب عنكم، ليس لأن الله لا يستطيع — حاشا — ولكن لأنكم لا تستحقون. أنتم مجتمعات فاسدة، نائمة، خامدة، تمسكتم بقشور العقائد وتركتم القيم العليا والمقاصد السامية: الخير، الحق، السلام، والجمال. أفيقوا يرحمكم الله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.