في برنامج تلفزيوني إعترف وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو بأنه حاول إقناع الحكومة العراقية للمشاركة في عملية عسكرية واسعة لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني بجبال قنديل الواقعة على المثلث الحدودي بين العراق وإيران وتركيا. وهذا إعتراف صريح بأن تركيا ليست قادرة وحدها على شن الهجمات لمقرات هذا الحزب وتلجأ الى الحكومة العراقية لمساعدتها في تحقيق أهدافها. وطبعا هذه ليست المرة الأولى التي تطلب فيها تركيا من العراق أن يساعدها في حربها ضد العمال الكردستاني، لكن العراق رفض وما زال يرفض هذا المطلب الملح على الرغم من أن تركيا قدمت عروضا سخية للعراق مقابل المشاركة آخرها ما كشفت عنه وسائل الاعلام العراقية بعرض تركي لمشروع "طريق التنمية" الذي يربط العراق بالأسواق الأوروبية عبر مينائي الفاو العراقي وجيهان التركي.
ولم يسأل الوزير التركي ولا رئيسه ولا أي من الوزراء الترك أنفسهم عن مصلحة العراق في شن الحرب ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني؟ ولا سألوا أيضا هل يتحمل العراق حربا أخرى داخل أراضيه بعد كل هذه الحروب المدمرة التي أحرقت الأخضر واليابس في البلد وما زالت الشعوب العراقية تدفع ثمنا غاليا لتلك المغامرات الطائشة للأنظمة السابقة وفي مقدمتها مغامرات النظام الصدامي التي راح ضحيتها الملايين من العراقيين بين قتلى وجرحى ومشردين بمنافي أوروبا؟. كما لم يسألوا أنفسهم ولو لمرة "ترى الى متى يظل النظام التركي يتمسك بالخيارات العسكرية لإسكات الصوت الكردي، والى متى سيظل الشعب التركي يقدم التضحيات من دماء أبنائه لأجل قضية خاسرة لا جدوى من ورائها؟". فالحرب التركية ضد العمال الكردستاني تقترب من سنواتها الأربعين، وبرغم أن تركيا دولة عظمى في المنطقة وهي عضو في حلف الناتو، وتمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة بما فيها الصواريخ التي تصرف مليارات الدولارات سنويا من أجل شرائها، ومع ذلك لم تستطع أن تزحزح قوات العمال الكردستاني قيد شعرة من معاقلها بجبال قنديل، بل أنها فشلت طوال السنوات الماضية من الحاق هزيمة واحدة بهذا الحزب رغم عشرات العمليات العسكرية الشاملة والواسعة في مختلف مناطق كردستان الحدودية، ففيما عدا قتل بعض أعضاء هذا الحزب بالطائرات المسيرة في مناطق داخل إقليم كردستان لم نجد لهذا الجيش التركي العرمرم وجهازه المخابراتي والمرتزقة الذين تصرف عليهم الدولة ملايين الليرات أي انجاز عسكري على أرض الواقع؟.
لقد كانت تركيا تقترب قبل عدة سنوات من نيل عضوية الاتحاد الأوروبي وهو الحلم الأزلي لهذا البلد، ولكن مع تسلط رجب أردوغان على حكم تركيا تبخر هذا الحلم أيضا نتيجة لسياساته الرعناء في التعاطي مع هذه القضيىة الانسانية المشروعة، فكيف تريد تركيا أن تحصل على هذه العضوية وهي تمنع حتى التحدث باللغة الأم بالنسبة للشعب الكردي؟ وكيف ستتعامل مع القيم الأوروبية وسجونها تمتليء بأبناء تركيا ممن يدافعون عن حقوقهم القومية المشروعة والمعترف بها دوليا؟.
لعل قصف مطار السليمانية في الأيام الأخيرة هو التعبير الأوضح عن حالة الهستيريا التي أصابت أردوغان وجهازه المخابراتي بسبب فشل خياراته العسكرية، وهي انعكاس لهزائمه المريرة أمام قوات حزب العمال الكردستاني في جبهات القتال، وإلا فما هو مبرر قصف مطار مدني يعلم الجميع أنه مطوق من قبل أجهزة الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتسلل إليه أي طرف بما فيه حزب العمال الكردستاني لفرض سلطته عليه.
ثم السؤال الذي يفرض نفسه هو "إذا كانت أمريكا تعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، فإنها في الوقت ذاته تتعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري وتعتبره شريكا لها في مواجهة الإرهاب، فلماذا تصر تركيا على وصف هذا الحزب الذي يقاتل داعش بالإرهاب وتستهدف قائده في وقت أن هذا الحزب لم يتحرش يوما بالقوات التركية، ولا شن ضدها أي عملية لا في الداخل ولا في الخارج؟.
إن تركيا تسعى الى تحويل مدينة السليمانية والسلطة الحاكمة فيها الى مستعمرة تابعة لها وتحاول فرض سيطرة جهازه المخابراتي على جميع شؤون إدارة هذه المدينة ووضع إدارات وأجهزة هذه المدينة في خدمة المخابرات التركية لرصد وتعقب أعضاء ومقاتلي حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي الكردي، وكل هذه الضغوط التركية سواء وقف الرحلات الجوية أو قصف المطار هدفها الأساس هو اخضاع إدارة السليمانية لإرادتها ليس إلا.
لقد حاولت اسرائيل طوال سبعين عاما حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة، وحاربت العرب ودمرت مدنا وقتلت مئات الآلاف من الفلسطينيين والعرب، ورغم أنها دولة نووية وحليف رئيسي للولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكنها الى اليوم لم تنعم بالسلام مع جيرانه العرب والفلسطينيين. فلماذا تكرر تركيا نفس الخطأ التاريخي في السعي الى محو شعب بأكمله ضمن سياسة شوفينية مقيتة لم يعد لها وجود في الدول والأمم المتحضرة.
بالتأكيد ستفشل تركيا في تحقيق أهدافها العدوانية ضد إقليم كردستان، وستظل السليمانية وشعبها جزءا من النضال القومي المشروع للشعب الكردي أينما كانوا والسلام على من إتبع الهدى..