هناك ليس إتفاق فقط بل وحتى إجماع داخل أوساط النظام الايراني بأن الانتفاضة الشعبية التي إندلعت في 16 سبتمبر2022، هي بمثابة أکبر زلزال سياسي من نوعه تعرض له هذا النظام وأثر عليه على مختلف الاصعدة، ولعل أبرز تأثير ترکته هذه الانتفاضة على الاوضاع في إيران، إنها رسمت خطا فاصلا بين زمنين، بحيث إن مابعد الانتفاضة ليست کما قبلها.
التأثيرات السلبية التي ترکتها هذه الانتفاضة الشعبية التي کانت بمثابة تصويت عام للشعب الايراني على رفض هذا النظام والسعي من أجل تغييره بالقوة، وإن قوة تأثيرها توضح أکثر بإستمرارها وعدم تمکن النظام على إخمادها والذي أزعج النظام وأربکه وأحرجه کثيرا هو إن هذه الانتفاضة قد صار لها صوت وصدى کبيرا على الصعيد الدولي بحيث باتت العديد من المحافل السياسية الدولية تعلن ليس عن إدانتها للممارسات القمعية التي يتبعها النظام في مواجهتها للإنتفاضة بل وحتى عن دعمها وتإييدها للإنتفاضة کما کان الحال مع الکونغرس الامريکي في القرار 100 الصادر عنه، ولم يقف الامر عند هذا الحد ولاسيما عندما قامت الاوساط السياسية الدولية والعديد من البرلمانات الغربية بدعمها وتإييدها لخطة مريم رجوي، زعيمة المعارضة الايرانية، ذات العشرة بنود لإيران ما بعد هذا النظام.
أمام کل تلك التطورات بالغة السلبية والتي معظمها کما يبدو تضرب النظام في الصميم لأنها ترسم طريقا لإيران أخرى من دون هذا النظام، جعلت الاخير يدرك جيدا خطورة التهديدات التي يواجهها، وهذا هو السبب في دفع خامنئي ينبري للمرة الاولى في مناسبة إيرانية مهمة مثل عيد "النورز" يتخلى عن الديباجة التقليدية المألوفة للنظام بالتهجم على الولايات المتحدة ونعتها بالشيطان الاکبر وکذلك على إسرائيل، کما إن هذه التطورات هي السبب أيضا في إلتفاتة النظام الى بلدان المنطقة وإبرام إتفاقات معها تتناول مواضيع کان للأمس يرفض الخوض فيها.
ما يجري اليوم في إيران، هو يجسد وبصورة أکثر من واضحة حقيقة إن إيران قد دخلت زمنا وعهدا جديدا بعد إنتفاضة سبتمبر بحيث لم يعد بوسع النظام أن يتعامل مع الاحداث والتطورات المتداعية والمستجدة عن تلك الانتفاضة بنفس الطرق والصيغ والاساليب التقليدية التي کان يستخدمها طوال العقود الاربعة المنصرمة، وهذا لوحده قد أثبت بأن النظام ولکي يعبر ويتجاوز هذه المرحلة الصعبة جدا فإنه بدأ کالافعى السامة بتغيير جلده، مع إن المشکلة في السم الذي ينفثه وليس في جلده!
ما يحدث في إيران اليوم حيث يحاول النظام وبکل الطرق والاساليب المختلفة يستخدمها من أجل التأثير على الشعب الايراني بأن هناك عهد نعيم ورخاء سوف يکون في إنتظاره! لکن الحقيقة المرة التي يعجز النظام عن تفسيرها وتوضيحها بصورة مقنعة هي کيف سيتخلى عن "سمومه" أي أفکاره ومفاهيمه المتطرفة التي نشرها وينشرها في بلدان المنطقة، ولذلك فإن ما يجري ليس إلا مجرد ضجة مفتعلة أشبه ما تکون بزوبعة في فنجان وليس أکثر والايام سوف تثبت ذلك!