تعودنا، من زمن طويل على أن للمسلمين هلالين، الأول يظهر في السعوية وشقيقاتها وحليفاتها، والثاني يظهر في إيران ومستعمراتها العربيات المتأسلمة.
وطبعا لم يكن هذا جديدا مولودا في العصر الأمريكي، أو في أعقاب اغتصاب فلسطين وقيام الكيان الإسرائيلي في منتصف القرن الماضي.
بل هو اقدم من المعارك المذهبية التي أشعلها الخميني، بعد هبوطه على أرض مطار طهران في 1979، في العراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا والبحرين.
فهي عتيقة متوارثة، وعمرها من عمر العراك التاريخي بين الذين بايعوا معاوية بن أبي سفيان على الخلافة، وبين الذين تشيعوا للإمام علي بن أبي طالب، قبل ما يقرب من ألف وثلاثمئة عام.
حتى تندر سني فقال لأخيه الشيعي "غدا ستقوم القيامة عندنا"، فرد الشيعي على أخيه السني، على الفور، "وعندنا ستقوم بعد غد”.
إلا في رمضان هذا العام. ففجأة، ودون سبب أو دليل علمي واحد مقنع توحد المسلمون هذه السنة في رؤية هلال واحد، وابتدأوا الصيام في يوم واحد. عجيب وغريب.
ونتساءل، هل هو اتفاق أم نفاق؟، يعني، هل هي من ألاعيب السياسة، أم هي عودة نصوحٌ حقيقية ونهائية إلى وحدة القلوب والنفوس أراد الله أن يرزق بها المسلمين بعد قرون من الاختلاف والعراك الذي كلفهم، سنة وشيعة، أنهارا من الدماء، وطوابير من الشهداء والمعوقين والمغيبين، وأطنانا من الأموال التي أنفقت على حروب عبثية ليس لها مبرر ولا معنى سوى الجهل والغباء وسوء الطوية؟.
طبعا، وكما اعتقد كثيرون، كان للتوافق السياسي السعودي الإيراني، بوساطة صينية وليس إسلامية ولا أمريكية، نصيب كبير في ولادة هذه الصحوة التي جعلت الهلالين هلالا واحدا يراه المرجع السيستاني في النجف، والولي الفقيه في طهران، والمحكمة العليا في السعودية، بقدرة قادر، في يوم واحد، وساعة واحدة، بعد زمن طويل من التخالف والانقسام.
والحقيقة أن أكثر الذين سعدوا بهذا التوافق في رؤية هلال رمضان هم أصحاب القلوب والنفوس النقية من أبناء الأجيال الجديدة المتنورة الطامحة إلى إشاعة ثقافة الاعتدال، ودفن جهالة الماضي، والخروج من سطوة الجهل والخرافة والظلام، ومجاراة الشعوب المتحضرة، ودخول القرن الحادي والعشرين.
والمحزن أن مفاهيم التعصّب الأعمى ليست من نصيب الأميين البسطاء الذين لا يقرأون ولا يكتبون، ولا يعرفون من الإسلام سوى القشور. بل إن كثيرين جدا من علماء دينهم وأئمتهم ووعاظهم، كانوا، وما زالوا يرتزقون من صناعة هذا الضلال المبين.
ولكن، والحق يقال، لقد تفرَّد (المُسيَّسون) الشيعة، خصوصا بعد قيام النظام الديني المذهبي في إيران، بشتم صحابة رسول الله، والمبالغة في التجاوز عليهم بأبشع النعوت والتهم الملفقة، وبالمبالغة في تمجيد الإمام علي والإمام الحسين وذريتهما(ع) بما يشبه التأليه، دون أن تتحرك مرجعية النجف أو ولاية الفقيه في طهران لرفض هذا السلوك اللا ديني اللأخلاقي المفرق المبدد المدمر الخطير، وتحريمه تحريما بائنا لا لبس فيه.
بالمقابل، لم يُخلق سني واحد يتطاول على الإمامين (ع)، ولا يذكرهما وذريتهما إلا بكل الاحترام والتبجيلو إلا بالحب الصادق غير المسيس وغير المغشوش.
ألم يجد المنشد العتوه المدعو باسم الكربلائي آلاف المدافعين والمناصرين والمؤيدين حين شتم الصاحبة وأسماهم بـ (العصابة)؟.
وألم تقم الدنيا ولم تقعد حسين سأل الإعلامي عدنان الطائي عما إذل كانت شتائم هذا المعتوه تدخل ضمن إطار (المضمون الهابط) الذي تعاقب عليه حكومة الإطار التنسيقي؟
ثم، ألم يخرج المدعو جواد حسن حرجان، الملقب بالشيخ جواد الإبراهيمي، ليقول عن الحليفة الصحابي عمر بن الخطاب، "نغَل نغَل"؟ مثلا، وتضجُّ الحسينية بالتصفيق والتهليل والتكبير؟.
والسؤال هنا، ماذا يمكن أن يقال عن صمت المرجع السيستاني والولي الفقيه الإيراني عن هذه الزعانف التي لا يمكن أن تكون قد أقدمت على هذا السلوك الهمجي العدواني السخيف بدون توجيه وإرشاد وتكليف؟
الحقيقة أن الثابت في التاريخ الإسلامي الطويل أن إيران الفارسية المتعصبة لفارسيتها كانت، منذ قرون، الموطنَ الأول والدائم لفرق الشتم المتأسلمة، من أيام الخلافة الراشدية والدولة الأموية ثم العباسية، ومئات الحركات التي برعت في زراعة الفتن وتأجيج الكراهية والعداوات؟
ففي أوائل القرن السابع الميلادي، ظهر الإسلام، وباشر حروبه الشهيرة لنشر رايته في البلاد المجاورة، وكانت أولى فتوحاته وأهمها على الإطلاق، خارج الجزيرة العربية، معارك فتح العراق، والانطلاق منه نحو الشرق، واكتساح أراضي الدولة الفارسية بالكامل، وهزيمة إمبراطور الفرس يزدجرد الثالث في معركة القادسية.
أما من أسلم من الفرس، وحسن إسلامه، فقد أذاب الإسلام في نفسه تلك النعرة الثأرية الفارسية ضد أشقائه الفاتحين العرب المسلمين. لكنّ كثيرين منهم لم يستطع الدين الجديد أن يغسل قلوبهم من أحقادها تلك.
نتمنى أن يكون الاتفاق السعودي الإيراني حدا حازما حاسما ونهائيا لهذا التاريخ الأسود المشين، فلا نجد موالين لدولة الولي الففقيه، حتى وهم في السعودية، يرون الهلال في طهران، ولا يرونه في الرياض، ومسلمين عرب وإيرانيين يرون الهلال فقط حين يراه السعوديون؟
خصوصا وأننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، قرن السياحة الجديدة ما بين الكواكب والنجوم.