قد يبدو الأمر غريبا لو قلنا جازمين ان الدماغ الانساني فيه من الأسرار الهائلة والمعجزات والحقائق قد تضارع أسرار الأرض كلّها وربما يكون عمل هذا الدماغ يوسع الكون الهائل في قوة طاقته الإنتاجية اللا متناهية في الابتكار والإبداع ؛ فهذا العضو الفعّال الصغير حجما الذي يعلو الجسد لم تُستثمر من طاقته الهائلة سوى الجزء اليسير من فعاليته وإبداعاته ووظائفه لا تعدو 10% من وظائفه المعمولة حاليا وليس 20% كما يشاع ، وأمّا بقية النسبة العالية 90% فلا زالت لم تُستغلّ وتستثمر بعد رغم عمر البشرية الطويل واستقرارها في معمورتنا.
ومثلما ان أجهزة الإنسان الهضمية والتنفسية والعصبية والسايكوباثية وغيرها تمتلك نسقا كاملا هارمونيا فائق الدقة والترتيب والضبط ؛ لكن الدماغ الانساني يفوق كل هذه الأجهزة تعقيدا وحنكة وهارمونية منسقة وبما يشمل أيضا كل الكائنات الحية الحيوانية والنباتية على سطح الارض.
والخاصية الأبرز فيه انه لا يمتلك أعصاباً مستقرّة في خلاياه بحيث لا يشعر بالألم عند ارتجاجه او تعرّضه للصدمات الخارجية او الدهس او الضرب لكنه صانعٌ ماهرٌ لتنشئة الأعصاب وتكوينها لبقية أعضاء الجسد البشري .
فالدماغ البشري رغم صغره الذي لا يمثل سوى 2% من وزن الانسان لكنه يستهلك حوالي 20% من الطاقة الموجودة التي يتمّ بناؤها في الكائن البشري وهو القائد المحكم على كل أجزاء الجسد رغم ضآلة حجمه، كما انه يحوي اكثر من مئة مليار خلية عصبية وهذا الرقم الهائل يعادل 15 مرة ضعف سكان العالم البالغ سبعة مليار إنسان وتبلغ طول المسارات العصبية التي يديرها الدماغ خمسة ملايين وثمانمئة الاف كيلومتر بما يعادل 145 مرة أطول من محيط الكرة الأرضية التي نعيش عليها.
تقوم تلك الخلايا التي يديرها الدماغ بتنظيم كل العمليات الحيوية التي تجري داخل أجسامنا بصورة اوتوماتيكية ودون وعيٍّ منا مثل تنظيم دقات القلب وإجراء عمليات الشهيق والزفير وترتيب عمليات الهضم إضافة الى قيامها بعمليات تخزين معلوماتية بما تفوق أدق الحواسيب الآلية والتي نعرفها ولا نعرفها حيث تقوم المختبرات الطبية الراقية بالاستعانة بها معلوماتيا للوصول الى معرفة اية حالة إرباك او خلل قد تصيب الجسد من اجل معالجته من خلال التشخيص اعتمادا على خزين المعلومات في تلك الخلايا.
ويعوّل الدماغ على وفرة الأوكسجين لزيادة نشاطه وتحسين فعاليته ؛ فالهواء النقي المشبع بالأوكسجين بمثابة الغذاء الرئيسي له والذي بدورهِ يمنح الجسد عافيته من خلال تنظيم عمل بقية الأجهزة، ولو نقصت كمية الأوكسجين لعشر دقائق على أكثر تقدير فقد يؤدي ذلك الى تلف دائم في الدماغ.
اما المخ فيعتبر اكبر جزء من الدماغ ويعادل 85% من وزنه ويستهلك 15% من دفق الدورة الدموية البالغ 7200 لتر يوميا والتي يضخّها القلب لباقي اجزاء الجسد ويعوم في سائل كي يخفّ من وزنه لئلا يثقل عبئُه على الرأس وقد حصّنه الصانع العظيم جلّ جلاله بعظام الجمجمة حمايةً له من الصدمات غير المتوقعة باعتباره كنز الكنوز للبشرية لا يعدله شيء مهما غلى لكونه مصدر الثراء والنعيم والهدأة والرقيّ لو أحسن استخدامه مثلما هو مصدر التعاسة والإحباط فيما لو عشعش الجهل فيه وسار باتجاه طرق الخرافة والإيهام والضلال.
وحباه الله نعمة النموّ وتجديد حيويته دون بقية أعضاء الإنسان حتى سنّ الأربعين سنة من العمر.
ترى كم منا استثمر عقله في الابتكار والاكتشافات في حقول المعارف كافة خاصةً اذا عرفنا ان العباقرة العظام ومَن أسعد البشرية بمخترعاته وحقق نجاحات باهرة في ميادين العلوم والآداب، فهؤلاء لم يستخدموا من وظائف الدماغ وأعاجيب قدراته سوى 10% من فعاليته وبديع صنعه، فما زال أمام البشرية أشواط كبيرة للارتقاء والنماء والازدهار والتقدم سيحققها الدماغ البشري مستقبلا فيما لو أحسن الاستفادة منه والنهل من بدائعه وابتكاراته وعلينا اولاً وقبل كل شيء ان نبعده عن أوهام الخرافات واللا معقول والأساطير ومسالك الغيبيات والاتجاه الى العلمنة والتجريب فهي الطريق الأسلم والأجدى لإحداث قفزات سريعة لرقيّ العقول.