أفضل طريقة لقراءة الاتفاق بين السعودية وإيران متابعة الإعلام العربي الموالي للسعودية، والأخر الذي تموله طهران.
الإعلام المحسوب على ايران دخل في نوبة هذيان. بدأ يشرح الاتفاق على طريقة نهاد قلعي، فإذا اردت ان تعرف سر الاتفاق عليك ان تقرأ مألات الحرب الروسية الأوكرانية، والتوازنات الدولية، وولادة شرق أوسط جديد، وصار "يحيك" الكلام في السياسية كأنه ينسج سجادة، مستبعدا أي إشارة لمشروع إيراني النووي، وتدخلها في سوريا واليمن ولبنان، وارتهان العراق، مضيفا ان السعودية قررت بناء جبهة مواجهة ضد الامبريالية، حتى كاد ان يقول، على طريقة الممانعة!
الإعلام الموالي للسعودية تمسك بحذر الرياض من سلوك طهران السياسي، مرددا المثل الشعبي السعودي "لا تقول بر لين توكي عليه"، لا تقول انه حب حنطة حتى تمسكه بيدك.
لكن بعيدا من الهذيان والحذر، فان الاتفاق بين السعودية وايران كان بمثابة اعلان للرؤية السياسية السعودية الجديدة. الرياض غيّرت ممارستها السياسية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، وابرز ملامح هذا التغيير هو تنحية قاعدة "الزمن كفيل بحل الأمور".
ويبدو ان الرياض لم تعد تطيق الارتهان للقانون السعودي التقليدي "ان طاعك الزمن ... "، وأصبحت تستخدم تعدد علاقاتها الاستراتيجية لحماية علاقاتها التقليدية، والأهم ان السعودية صارت تواجه مشروع ايران الماضوي برؤية سياسية منحازة الى المصالح، من دون تفريط بالمبادئ.
لاشك في ان الاحداث التي شهدتها طهران في شهر “أيلول\سبتمبر" العام الماضي لفتت الانتباه الى ان مواجهة المشروع الإيراني بقيادة السعودية دخلت حقبة جديدة.
وشكل قتل الشابة مهسا أميني، التي فارقت الحياة على يد رجال ما يسمى "شرطة الأخلاق" بداية الفصل الجديد.
أحدث مقتل الشابة ضجّةً داخل ايران وخارجها. عُذّبت الشابة وقُتلت بسبِ عدم ارتداءها للحجاب بـ«طريقة سليمة». فصار موتها خبرا عالميا ـ لكن الخبر الأهم ان المساندة والتعاطف، مع الشابة المغدورة، جاء من السعودية. فتحول التعاطف الى خبر تاريخي بامتياز. فضلًا عن ان الرياض انتصرت لمشاعر ملايين الإيرانيين، وحقوق الانسان والمرأة. ورفعت الغطاء العربي والإسلامي عن السلوك الإيراني المتشدد، واربكت أنصار طهران.
من المفارقات التي حدثت، قبل الاتفاق، وتحمل رمزية سياسية مهمة، ان احد ابرز مواقع "اليوتيوب" السعودية وهو موقع " ثمانية"، بث قصة الاذاعية السعودية الشهيرة نوال بخش، التي حرمت من التعليم، والحقوق الوظيفية كونها فتاة خرجت سافرة على شاشة التلفزيون. كأن السعودية تعتذر عن تاريخها مع المرأة من خلال نوال بخش.
قتل مهسا لعدم وضع غطاء للرأس، والاعتذار لنوال بخش يشيران بوضوح الى موقع البلدين الراهن في الايدلوجيا والاستراتيجيا. أحدهما غيّر موقعه فاربك الاخر.
الأكيد ان طهران سعت الى تسريع الاتفاق مع السعودية، و الرياض قابلت تعجل طهران بمهلة الشهرين، وربما تزيد. السعودية أصبحت ترى حقيقه ايران اكثر من أي وقت مضى. اما إيران فأنها مشغولة بالبحث عن صيغة تضع مشروعها في المنطقة، والاتفاق مع السعودية في جملة مفيدة .