: آخر تحديث
في محاضرة استقرأت 12 ألف سنة من نمط عيش وتعبيرات سكان المنطقة

موسم أصيلة الثقافي يعيد قراءة تاريخ المغرب من خلال نقوشه الصخرية

36
31
34

إيلاف من أصيلة:ربما ليس هناك أمتع من الصخر لاستقراء ومعرفة تاريخ الإنسان، في علاقة بما أحاط بنمط حياته وعيشه،منذ بداية وجوده على وجه الأرض.

في أصيلة،وبمناسبة موسمها الثقافي الدولي ال45، في دورته الصيفية، كانت الإفادة مضمونة والمتعة حاضرة في الموعد، مساء الاثنين،مع درس في تاريخ المغرب ومنطقة شمال غرب إفريقيا، انطلاق مما رسمه ونقشه الإنسان على الصخر.

كانت "رحلة صغيرة في تقاليد النقش لدى المغاربة"،كما قال عنها الدكتور عبد الخالق المجيدي،عالم الآثار وممثل الاتحاد الدولي لمنظمات الفنون الصخرية في شمال إفريقيا،في آخر المحاضرة التي استغرقت منه نحو ثلاثة أرباع الساعة،تحت عنوان: "مدخل لتاريخ النقوش في المغرب"،قبل أن يفتح المجال لأسئلة وآراء الجمهور الحاضر لمزيد من إثراء النقاش حول موضوع يربط ماضي المغرب والمغاربة بتحديات ورهانات المحافظة على تراثهم المادي وغير المادي.

جانب من المحاضرة 

كانت رحلة صغيرة في الدقائق التي استغرقتها كمحاضرة،غير أنها تناهز،في الواقع، 12 ألف سنة من تاريخ الإنسان بمنطقة شمال غرب إفريقيا.

على عادة الباحثين المتمكنين من مجال اشتغالهم وانشغالهم،بدأ المجيدي موضوع محاضرته بتمهيد، أشار فيه إلى أن منطقة شمال غرب إفريقيا تبقى من المناطق التي ساهمت بشكل مباشر في تطوير وإشاعة أشكال التعبير، بعد أن خطا الإنسان خطواته الأولى، منذ الصناعة الأولى للأدوات الحجرية، نحو ما هو تعبيري ورمزي واجتماعي، الشيء الذي جعل منه كائنا يتأقلم مع مختلف الأوساط الطبيعية.

تعرية طبيعية .. وبشرية

شدد المجيدي على أنه لم يكن لدى كل الشعوب هذا الجانب التعبيري، المتمثل في النقوش الصخرية، مشيرا إلى أنها توجد  في 160 دولة فقط، ضمنها المغرب الذي يبقى من المناطق الغنية بهذا التراث، ويساهم في تطوير الحفاظ عليه، فانتقل، بفضل تطوير البحث الميداني، من 250 موقعا خلال فترة الاستعمار، إلى 831 موقعا، حاليا، موزعة بشكل غير متوازن عبر التراب المغربي ، 780 منها عبارة عن نقوش والباقي (51) عبارة عن رسومات، الشيء الذي يبين أن المغاربة كان عندهم ذوق وتوجه للتعبير، إلى درجة أنهم طوروا فنا صخريا حاملا للبيئة السوسيو - اقتصادية والثقافية.

ربط المجيدي في عنوان المحاضرة بين التاريخ والنقوش والمغرب. ثلاث كلمات تتداخل في ما بينها حد التماهي، لتؤكد على أن الأمر يتعلق بتراث يلخص لهوية وحضارة ممتدة في تاريخها وفي جغرافيتها. تراث،قال عنه المجيدي،  إنه "يعاني من تعرية طبيعية، ومن تعرية بشرية، أيضا، من خلال تدمير كبير يتعرض له". وأضاف أن هناك مجهودات تقوم بها الوزارة الوصية والمصالح المحلية، منوها بظهور جمعيات محلية تعبر بجهودها عن مستوى من الوعي المتقدم في التعامل مع الوضع، يفتح الباب أمام جعل هذا التراث مساهما في مسلسل التنمية بالمناطق المعنية.

قنص قبل الاستقرار

قال المجيدي إن الرسوم والنقوش تعكس عدة أوجه لحياة الإنسان القديم، بداية من نشاطه المرتكز على القنص قبل الاستقرار، حين كانت بمنطقة شمال إفريقيا رطوبة كافية سمحت بتكاثر الوحيش ومكنت من عيش مجموعات بشرية عديدة.

ولاحظ المجيدي أن التوزيع الجغرافي للمواقع يخضع لنظام إيكولوجي طبيعي متدرج من المناطق الصحراوية، فشبة الصحراوية وصولا إلى مراعي المرتفعات. وأضاف أن الإنسان في المغرب طور، خلال هذه الرحلة التي دامت حوالي 12 ألف سنة، أساليب إنتاج ونظما في الاستقرار، كما طور ميكانيزمات تأقلم واستجابة لشروط الطبيعة حتى في أقسى فترات القحط.

وأضاف المجيدي أن رموزا وطريقة في النقش ظهرت على الصخور، انبثقت وتطورت عن هذا التأقلم عبر جغرافية شاسعة تفاعلت فيها مع الصحراء الكبرى ومع الحوض المتوسطي.

جانب من الجمهور 

وأشار المجيدي إلى أن جدران الملاجئ الصخرية احتفظت بقسط لا بأس به من الرسوم، فيما لم تحتفظ المجالات المفتوحة إلا بالنقوش التي صمدت في وجه عوامل التعرية.

وشدد المجيدي على أن المناطق المرتفعة التي اعتمد فيها الإنسان النقش والرسم، تعتبر أيضا خزانة مفتوحة لدراسة الجانب الرمزي وكذا دينامية التنقل بين السلاسل الجبلية عبر عدد من المضايق، تركت أثارا تمكن من استقراء طريقة عيش الإنسان وحتى نظرته نحو ما بعد الحياة، حيث أن هذه النقوش والرسوم ترافقها مدافن عبر تطور هذه الرموز.

وتوقف المجيدي ليشير إلى أن تقنيات البحث في هذا المجال قد تطورت، فدخلت تخصصات متعددة لتصبح الصورة أكثر دقة.وأشار، في هذا السياق، إلى أن الإنسان في المنطقة كانت له ملكات، مكنته، مثلا، من نقش الحيوانات في حجمها الطبيعي، وصغيرة جدا، أيضا؛ وسيرا على ذلك، بالنسبة لمختلف المواضيع، بحيث رتبها في السند الصخري بطرق متنوعة، الشيء الذي يستدعي مزيدا من البحث لاستقراء الجانب الرمزي الخاص للإنسان القديم في أقصى شمال إفريقيا.

الإنسان والوحيش

أشار المجيدي إلى أن الرسوم الأولى تعبر عن مجتمعات القنص، حيث وثق لنا الإنسان على الصخور معلومات عن الوحيش القديم الذي عاش في تراب المغرب. وأضاف أن هذه النقوش كانت انعكاسا مباشرا للنشاط البشري في الحياة اليومية، فيما تعظيما وضعية الوحيش البري، على غرار وحيد القرن والفيل، معلومات مهمة، ومن ذلك أن وحيد القرن يتطلب أكثر من 340 مليمترا من التساقطات، الشيء الذي يعني أن هذه المناطق كانت رطبة، بينما كان حضور الفيلة في الرسوم مؤشرا على أن الغطاء النباتي كان غنيا؛ الشيء الذي يبين أن الإنسان عاش في هذه الربوع ومعه الفيل ووحيد القرن، مع ما يكفي من التساقطات والغطاء النباتي.

وقال المجيدي إن الإنسان كان يقترب من الوحيش، ويتخذ بعض الأصناف رمزا، إما للصبر أو الشجاعة أو الجمال، مثلا. وحيث أن الظروف المناخية، ستتغير، في ما بين9 و  10 آلاف سنة قبل الميلاد، بعدما انتهت الفترة الجليدية في شمال وجنوب الكرة الأرضية، ليحدث التحول المناخي تحولات على صعيد الغطاء النباتي والوحيش، فقد كان الإنسان مضطرا إلى التغيير من بنيته الفكرية والاقتصادية لكي يصبح إنسانا شبة مستقر. وبالتالي، فعوض أن يعيش ترحالا دائما وراء الوحيش للقنص،فضل أن يستأنسه ويختار من أصنافه تلك التي يمكن أن توفر له الغذاء، ليظهر التدجين وتبدأ فترة جديدة بالمنطقة سميت بالفترة البقرية، مارست خلالها المجموعات البشرية الرعي، وذهب الإنسان، خلالها، بعيدا في تدجين الأبقار إلى درجة أنه صار يركبها.

تدجين الخيول

أشار المجيدي إلى أن تغير الموارد الطبيعية، حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، حمل معه تغيرا في نظرة الإنسان لطريقة العيش، التي رافقتها تغير في نظرة هذا الإنسان الرمزية للعالم المادي المحيط به.

وأضاف المجيدي أنه ستظهر، مع الفترة البرونزية، مراكز سياسية حول الحوض المتوسطي، بينما أظهر ظهور الخيليات والماعز  والعربات المجرورة أن المنطقة دخلت في ماهو سوسيواقتصادي، فبدأت تعتمد على البغال، وعلى الخيول التي قال إنه يعتقد أنه تم إدخالها إلى المنطقة حوالي الألف الثانية قبل الميلاد، بعدما تم تدجينها في منطقة لم تحدد بعد بدقة، غير أنه يعتقد أنها كانت بين أوكرانيا وجنوب روسيا قبل نحو 3 آلاف سنة، قبل أن تصل إلى مصر القديمة مدجنة في نحو 2300 قبل الميلاد، ومنها إلى غرب شمال إفريقيا.

كتابات عربية

تحدث المجيدي عن ظهور كتابات وعلامات صخرية انتشرت في شمال إفريقيا من الضفة اليسرى للنيل إلى جزر الكناري، انضافت إليها كتابات عربية وصلت إلى المنطقة ما بين نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن للميلاد، ظهرت منصهرة مع المجتمعات المحلية، مثل لها بكتابات بجنوب السمارة، بالأقاليم الجنوبية للمغرب، في منطقة كانة زمور.

وأضاف المجيدي ان المغاربة استمروا في تطوير النقش إلى حدود بداية القرن التاسع عشر، مشيرا، في هذا الصدد، إلى نقوش على الصخر قبالة أحد المخازن الجماعية التقليدية بمنطقة سيدي إفني( جنوب).


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات