إيلاف من لندن: في تشرين الأول (أكتوبر) 2024، تلقى ديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لمختبر Google DeepMind، اتصالاً هاتفياً غيّر مسار حياته: فاز بجائزة نوبل في الكيمياء، تقديراً لدوره في تطوير أداة "AlphaFold"، التي وصفها بأنها حلّت تحدياً بيولوجياً عمره 50 عاماً. 2. التهديدات الذاتية: وهي تلك المرتبطة بنشوء كيانات مستقلة قادرة على اتخاذ قرارات، بل وربما خداع مطوريها أو إلحاق الأذى بالبشر. يؤكد هاسابيس أن هذه الأنظمة "ليست برمجيات تقليدية" بل كيانات "تنمو" بطرق يصعب التنبؤ بها، ما يجعل ضبطها مسألة علمية وأخلاقية غير محسومة بعد. وقد رُصدت مؤشرات مبكرة على سلوك غير متوقع، مثل "الكذب الاستراتيجي"، لدى نماذج لغوية متقدمة. مستقبل بلا عمل أم وفرة للجميع؟ هل انتصر الحالم أم الرأسمالي؟ *أعدت إيلاف التقرير عن مجلة "تايم": المصدر
لكن هذا التتويج لم يكن سوى محطة من مسار أكثر طموحاً، وربما أكثر خطورة: بناء ذكاء اصطناعي عام (AGI) قادر على إحداث اكتشافات علمية ذاتياً. فهل نحن على أعتاب ثورة علمية تنقذ البشرية؟ أم على شفير فقدان السيطرة على أعظم ابتكاراتنا؟
هذا ما تحاول مجلة TIME استكشافه في تقرير مطول نُشر منتصف نيسان (أبريل) 2025.
AlphaFold: إنجاز علمي أم مقدمة للآتي؟
تُعد AlphaFold إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على التنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات استناداً فقط إلى تسلسلها الأميني. وقد ساعد هذا الإنجاز، الذي طُرح للاستخدام المجاني منذ عام 2021، في تسريع أبحاث الأمراض مثل الملاريا والسرطان، وفتح آفاقاً غير مسبوقة في علم الأدوية. لكن رغم أهمية AlphaFold، يرى مجتمع الذكاء الاصطناعي أنه لا يزال "محدوداً" في قدراته، لأنه لا يستطيع التفكير خارج نطاق المهمة التي صُمّم لها.
الذكاء الاصطناعي العام: الحلم الكبير
طموح هاسابيس يتجاوز الأدوات التخصصية. إنه يسعى إلى تطوير AGI، وهو نوع من الذكاء الاصطناعي القادر على أداء المهام المعرفية والبحثية بشكل يعادل قدرات البشر أو يتجاوزها. ويقدّر هاسابيس أن الوصول إلى AGI قد يتحقق خلال 5 إلى 10 سنوات، وهو تقدير يُعد "متشائماً" مقارنة بتوقعات قادة آخرين في المجال، مثل سام ألتمان (OpenAI) وداريو أمودي (Anthropic)، اللذين يتوقعان تحقيقه في وقت أقرب.
لكن تعريف AGI ذاته ليس موحداً: ففي حين تنظر OpenAI إليه كمحرك للمهام الاقتصادية، يرى هاسابيس أن AGI يجب أن يكون قادراً على صياغة نظريات علمية جديدة—كتخيل النظرية النسبية من الصفر، أو صياغة فرضيات رياضية لم تُطرح من قبل.
هذا الطموح يُبرز الخلفية العلمية للباحث الذي يقول لـ"تايم": "أنا عالم أولاً وأخيراً. كل ما فعلته في حياتي كان سعياً وراء المعرفة".
مفارقة الأخلاق والربح
رغم صورة العالِم المثالي التي يعتنقها هاسابيس، إلا أن الواقع التجاري يُلقي بظلاله. إذ أن تطوير AGI يتطلب استثمارات بمئات مليارات الدولارات، وهو ما توفره غوغل بدافع تجاري بحت. ومع أن هاسابيس يشير إلى إتاحة AlphaFold مجاناً كدليل على "نية حسنة"، إلا أن شركات التكنولوجيا لا تعمل في فراغ أخلاقي، بل تخضع لقوانين السوق ومطالب المساهمين.
الأمر الذي يثير جدلاً أكبر هو ما كشفته المجلة حول زوال الحظر الأخلاقي الذي فرضه هاسابيس سابقاً على استخدام تكنولوجيا DeepMind لأغراض عسكرية.
فقد أُبرمت في السنوات الأخيرة صفقات مع مؤسسات دفاعية، من بينها الجيش الإسرائيلي، رغم مواقف سابقة مناوئة لهذا المسار. وعندما سُئل عن ذلك، اعتبر أن "العالم أصبح أكثر خطورة"، ما أجبر فريقه على إعادة تقييم موقفهم وفقاً لـ"تايم". فهل هو تراجع مبدئي، أم واقعية سياسية فرضها تسارع الأحداث؟
المخاطر القادمة: من الفيروسات الاصطناعية إلى الكيانات الخارجة عن السيطرة
يُقسم هاسابيس مخاطر الذكاء الاصطناعي إلى مستويين:
1. التهديدات البشرية: مثل استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتطوير أسلحة بيولوجية أو اختراقات إلكترونية متقدمة.
في الجانب الاقتصادي، يتوقع هاسابيس أن تتسبب أنظمة AGI باضطرابات واسعة في سوق العمل، لكنها ستقود في نهاية المطاف إلى "عالم لا يقوم على لعبة صفرية"، حيث لا يكون الصراع على الموارد ضرورياً. لكنه يُقرّ بأن هذا المستقبل يتطلب "فلسفة سياسية جديدة"، قد تتجاوز حتى الديمقراطية بصيغتها الحالية.
تبقى معضلة هاسابيس الكبرى في التوازن بين رؤيته العلمية الطوباوية، والواقع التجاري والجيوسياسي الضاغط. إنه باحث حالم يعمل من داخل شركة متعددة الجنسيات، يُطلب منها تحقيق أرباح، وتتنافس في سباق عالمي محموم نحو السيطرة على الذكاء الاصطناعي.
في هذا السياق، يختم هاسابيس حديثه لـTIME بقوله: "لو لم أكن أعلم أن شيئاً بهذه القوة التحويلية قادم، لساورني القلق من مستقبل العالم".
لكن السؤال الذي يطرحه التقرير بوضوح هو: هل هذه القوة التحويلية ستبني عالماً أكثر عدلاً؟ أم ستُستخدم لتعزيز هيمنة الأقوياء على حساب البقية؟
المستقبل كما يراه ديميس هاسابيس: بلا مرض ولا عمل
هل نحن مستعدون لذكاء يفكر... ويكذب؟
مواضيع ذات صلة