: آخر تحديث
الهروب كان مستحيلاً... والشبيه غير موجود

كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق "اللحظات الأخيرة": ما ارتداه... وكيف احترق جثمانه

3
3
3

إيلاف من موسكوفي الذكرى الثمانين لوفاة أدولف هتلر، الذي قاد واحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ البشري، أفرج جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) – خليفة جهاز المخابرات السوفياتي (KGB) – عن مجموعة كبيرة من الوثائق والمصادر الأصلية المتعلقة بوفاته في نيسان (أبريل) 1945، وهي مواد أُبقيت طي الكتمان لعقود طويلة في أرشيف سري بمقاطعة إيفانوفو.

الوثائق، التي صدرت للمرة الأولى، تضم مذكرات وشهادات استجواب مفصّلة لخادم هتلر الشخصي هاينز لينغه ومساعده الأقرب أوتو غونشه، واللذين اعتقلا على يد القوات السوفياتية بعد سقوط برلين. وتكشف هذه الوثائق عن أدق التفاصيل المتعلقة بانتحار هتلر، حرق جثمانه، وظروفه النفسية والصحية في أيامه الأخيرة.

الهروب مستحيل... والشبيه غير موجود
بحسب شهادة هاينز لينغه، التي كانت محفوظة في ملفات مغلقة لعقود، فإن هتلر أقدم على الانتحار في 30 نيسان (أبريل) 1945، نتيجة "خوفه من القبض عليه أثناء محاولته الهرب من برلين"، مضيفاً أن الفوهرر لم يكن يؤمن بجدوى القتال بعد الانهيارات العسكرية المتتالية، وأن حالته الجسدية والنفسية المتدهورة لم تكن تسمح له بالمواجهة أو التفاوض.

وفي رد على واحدة من أكثر النظريات انتشاراً في العقود الماضية، قال لينغه:
"لم يكن لهتلر شبيه، ولم يكن من الممكن أن يغادر المبنى دون أن يراه أحد، فهناك مخرج واحد فقط لغرفته في قبو القيادة".

تفاصيل اللحظات الأخيرة
بحسب الوثائق التي نشرتها قناة "زفيزدا" التابعة لوزارة الدفاع الروسية، فإن هاينز لينغه كان من أوائل من دخلوا إلى قاعة المعيشة في "قبو الفوهرر"، حيث وجد جثمان هتلر ممدداً إلى جانب جثمان زوجته إيفا براون، التي انتحرت معه.

كتب لينغه في شهادته المؤرخة ما بعد الحرب:
"كان هتلر يرتدي قميصًا أبيض بياقة مطوية، وسترة رمادية مزدوجة الصدر من قماش الجبردين الفاخر، وبنطالاً أسود، وجوربًا رقيقًا أسود، وحذاءً جلديًا قصيرًا".
وأضاف:
"إيفا براون كانت ترتدي فستاناً حريرياً، وجوارب حريرية، وحذاءً بكعب".

وفي ما يخص عملية إحراق الجثمانين، قال لينغه إن العملية تمت باستخدام نحو 60 لتراً من البنزين كانت أُعدّت مسبقاً من قبل مارتن بورمان، أحد قيادات الرايخ النازي. وبدأت العملية حوالى الساعة الرابعة بعد الظهر في حديقة مستشارية الرايخ، في طقس مشمس، حيث وُضع الجثمانان في حفرة سبّبتها قنبلة.

أدلة طبّية وشرعية: السيانيد وأسنان هتلر
تؤكد الوثائق أن جثتي هتلر وبراون تم دفنهما سريعاً بعد الحرق، ثم أعيد استخراجهما من قبل وحدة التحقيق السوفياتية (SMERSH) التابعة للجيش الأحمر. وبحلول 5 أيار (مايو) 1945، عُثر على رفات رجل وامرأة متفحمة بشدة على بُعد ثلاثة أمتار من مدخل القبو.

وفي 8 أيار (مايو)، صدر تقرير الطب الشرعي، الذي أظهر وجود شظايا أمبولات زجاجية في تجويف فم الجثة، ورائحة لوز مريرة مميزة لمركبات السيانيد. وأكدت التحاليل أن الوفاة نجمت عن تسمم بالسيانيد.

لكن التأكيد النهائي على هوية الجثة جاء من فحص الأسنان. ففي 10 أيار (مايو)، استجوب محققو SMERSH مساعد طبيب أسنان هتلر، كورت هوسرمان، وفي اليوم التالي استجوبوا فني الأسنان فريتز إيختمان. وقد طُلب من كليهما فحص شظايا الفك السفلي المستخرجة من الجمجمة، وأكدا دون تردد تطابقها مع سجل أسنان هتلر.

الضغط على الشهود: كيف استُدرج غونشه للكلام؟
تُظهر الوثائق أن السوفيات لجأوا إلى أساليب نفسية غير تقليدية لاستجواب أوتو غونشه، مساعد هتلر الشخصي الذي اعتُقل بعد سقوط برلين. ولإجباره على الإدلاء بشهادته، تم وضعه في زنزانة واحدة مع أسير حرب ألماني سابق ومجرم مدان يُدعى العقيد رملينغر، الذي كُلّف من قبل السلطات السوفياتية بالتقرب منه، وكسب ثقته، ومن ثم دفعه للكشف عن تفاصيل ما جرى في الأيام الأخيرة داخل مقر قيادة الفوهرر.

ووفق الوثائق:
"كان ذلك وسيلة ناجحة لتحويل ولاء النازي المتعصّب إلى متعاون... ومع انهيار النظام، لم يعد هناك ما يُخفى".

صدى روسي: الفك كرمز للشر
بثّت قناة زفيزدا مقطع فيديو من أرشيف جهاز FSB، يظهر فيه أمين أرشيف روسي يناقش شهادات لينغه، واصفاً شظايا فك هتلر بأنها:
"جزيئات من الشر الكوني... بقايا الرجل الذي تسبّب في مقتل أكثر من 26 مليون مواطن سوفياتي".

وفي السياق نفسه، أكدت القناة أن عرض هذه الوثائق لا يهدف إلى إثارة الجدل، بل إلى "إغلاق باب الشك، وإبراز العدالة التاريخية".

خاتمة مفتوحة: شهادة أخيرة من الجمر
الوثائق التي أُفرج عنها هذا الأسبوع، وإن لم تغيّر الرواية الأساسية لانتحار أدولف هتلر، فإنها تقدم تفاصيل دقيقة لم تُكشف من قبل، وتغلق الأبواب أمام نظريات شائعة مثل "هروب هتلر" أو "موته في أميركا الجنوبية" – والتي بقيت تتردّد لعقود، رغم نفيها من قبل كبار المؤرخين.

الآن، وبعد 80 عاماً على تلك اللحظة الفاصلة، يبدو أن بقايا رجلٍ أشعل حرباً عالمية، وارتكب إبادة جماعية، قد تحوّلت من مادة للصراع السياسي، إلى أرشيف توثيقي يعيد كتابة التفاصيل بلغة الوقائع الباردة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات