مع بدء العدّ التنازلي للقمة الخليجية السادسة والأربعين، المقرّرة مطلع كانون الأول (ديسمبر)، تتجه الأنظار إلى البحرين التي تستعد لاستقبال قادة دول مجلس التعاون في ظروف بالغة الحساسية. الدلالات واضحة؛ إقليمياً، لم تتوقف الحرب في غزة عن أجندة النقاشات، سيما مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وتعثر المساعي الدولية لتنفيذ فعلي لوقف إطلاق النار. كما يحضر الملف الإيراني في أروقة المداولات، وخاصة تزايد المخاوف من تأثير الصراع الإسرائيلي - الإيراني غير المباشر على استقرار وازدهار المنطقة. المتوقع أيضاً مناقشة الملف اليمني ومغامرات القرصنة في البحر الأحمر والاستهدافات المتبادلة في ظل الهدنة الهشّة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، والملفات الإقليمية الثقيلة الأخرى.
اقتصادياً، ستبحث القمة الضغوط العالمية والتحديات الحديثة في أسواق الطاقة النظيفة والمتجددة، وموضوعات مهمة مثل السوق الخليجية، واتحاد الجمارك، ودعم مسيرة التكامل الاقتصادي. كذلك لدينا مشروعات الربط الكهربائي والذكاء الاصطناعي، وتعزيز استثمارات الصناديق السيادية في قطاعي المناخ والتحول الأخضر، ومبادرات مشتركة وموحدة لدعم الأمن الغذائي والمائي في دول المنطقة، مع التركيز على زيادة الإنتاج المحلي والزراعة. كذلك من المرجّح أن تعلن تلك الاجتماعات إعطاء دفع جديد نحو الهيدروجين، وتسريع تنفيذ المشروعات المهمة وتقنيات الشبكات الذكية، إضافة لتطابق الرؤى لتعزيز منظومة التحول الرقمي والتكنولوجيا نظراً لنمو تلك الأسواق النوعية في دول المجلس بمعدّل 25.7 بالمئة حتى 2030.
ثقافياً، لعلّي أذكر ما شدّ انتباهي خلال تدشين جناح مجلس التعاون المصاحب لأعمال القمة الخليجية الـ46، الذي أقيم في متحف البحرين الوطني. قدّم الجناح عبر تسع مناطق عرض أكثر من 40 عنواناً رئيسياً و120 عنواناً فرعياً في مجالات العمل الخليجي المُبهِر والمُشوِق. كذلك أعجبني مثل الكثيرين من الزوار العرض المقدم عن مرحلة ما قبل التأسيس ثم تأسيس المجلس في العام 1981م، مروراً بالمشاريع الرائعة في نطاقات مبهرة عدة، وصولاً إلى الإنجازات المستقبلية. ولابد هنا من توجيه الشكر والتقدير لإدارة ومنتسبي متحف البحرين الوطني على جهودهم الكبيرة، وتقديمهم جميع التسهيلات وكذلك الدعم للفرق الرسمية وللزوار على حد سواء لإحياء تلك المحطة المفصلية المهمة.
أما تطلعات العمل الخليجي المشترك، فهي تتمحور حول تطوير المهارات الاقتصادية والاجتماعية بين دول مجلس التعاون لإنشاء سوق واحدة موحدة لتحقيق فوائد واقعية أكبر لتعزيز مكانة المنطقة. كذلك تحقيق المساواة في المعاملة بين المواطنين بشكل متساوٍ دون تمييز أو تفرقة بسبب الدين، أو اللون، أو الجنس، أو اللهجة، أو أي وضع آخر. تعمل دول المجلس أيضاً على مضاعفة التعاون في مختلف القطاعات، ومعالجة التحديات التي تمرّ بالمنطقة. كذلك يعمل القادة الخليجيون على دعم مسيرة المجلس في المرحلة الحالية الحاسمة التي تتسم بتغيرات سياسية متسارعة إقليمياً وعالمياً، ما يتطلب تحقيق أهداف الدول الأعضاء المتفق عليها مع مزيد من التنسيق والترابط والتكامل، ما يمنح القمة زخماً خاصاً. هنا تكمن التوقعات بشأن الدور المهم والفاعل والمتوازن الذي يمكن أن تؤديه المنامة في إدارة الحوار في الفترة المقبلة، لمراجعة وتفعيل ما تحقق من قرارات ولتوحيد وتعزيز المواقف الاستراتيجية المشتركة.
أتطلع، كأيّ مواطن خليجي مخلص، أن تشكل القمة الـ46 نقطة إعادة تموضع لمجلس التعاون بعد عامين من التقلبات الإقليمية العسيرة، وأهمية تثبيت التوازن بين التحديات الأمنية والاقتصادية والتنموية. على سبيل المثال، كلنا نأمل تأمين استقرار أسواق الطاقة والخطوط البحرية، وأن ترفع دول المنطقة وتيرة الاستثمار في مشروعاتها كأحد الأعمدة الأساسية لتنفيذ قراراتها. كذلك نأمل أن يصدر الملوك والرؤساء الخليجيون بياناً موحداً عن اجتماعاتهم يؤكد وحدة الموقف وضرورة الانتقال من إدارة الشدائد إلى بناء سياسات استباقية عالية الجودة. المملكة تعلم تماماً أن المواطن يريد مساراً واقعياً لحياته اليومية مع الاستعداد لما بعد مرحلة الأزمات الاقتصادية المفصلية، حيث من المتوقع أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 4.4 بالمئة في 2026. الأهم التنسيق بين دول المجلس لتأسيس وتطبيق برامج تنموية ملموسة وقابلة للتنفيذ.ختاماً، الأمر لن يقتصر على البيانات الرسمية، بل على ما يمثّله هذا الحدث المهم، أقصد تحديداً التجديد للثقة الراسخة بمملكة البحرين وقدرتها على إدارة الحوارات الجادة بكل مهنية وجدية وجهوزية. لا شك أن المصاعب جمّة، وتتجاوز حاجز الهاجس الأمني الذي يفرض وقائع جماعية شائكة، إضافة لضرورة تنمية الشراكات الإقليمية التكاملية والدولية المشتركة.

