يُحصي دارسو العربية في أول درس لهم ثمانية وعشرين حرفاً أوّلها الهمزة وآخرها الياء، فيتعرّفون اسم الحرف ورسمه، ثم مخرجه، فنطقه، ثم لا تلبث أن تتداوله الألسن، فيعتريه حينئذ اختلاف قليل أو كثير بحسب جنس الناطق، أو نوعه، أو لكنته السابقة، فيرقّق بعضها وهو غير مرقّق، ويفخّم آخر وهو غير مفخّم، ويستبدل آخر بشبيهه، أو بغير شبيهه، لكنّي لم أجد فيها حرفاً ضربت عليه الغربة والتيه كحرف القاف.
فالقاف العربية فيما أعلم حرف حلقي انفجاري، لكنه إذا ما نزل بألسنة أهل القاهرة ومن نطق مثلهم، وكذلك أكثر أهل الشام، فالقاف عندهم ليست بالحرف الحلقي، ولا الانفجاري، وليست قافاً بالجملة، بل همزة صريحة، فالقدم (أَدَم)، والقلب (أَلْب)، وقال (آل).
فأمّا القاف في جزيرة العرب، واليمن، وليبيا، وبقاع واسعة من مصر، فتنطق جيماً قاهرية، فالقدم (جَدَم)، والقلب (جَلْب)، وقال (جَال).
والقاف في العراق أحياناً ما تكون جيماً قاهرية، وكذلك هي في السودان أحياناً ما تُنطق جيماً قاهرية، وأحياناً هي غين.
فإن يمّمت وجهك شطر شمال أفريقيا: تونس، والجزائر، والمغرب، فالقاف هناك ليست حرفاً حلقياً ولا صوتاً انفجارياً، بل عبوة شديدة الانفجار.
وإنّي لأزعم أنّ هذا الحرف الحائر لا يكاد يُنطق صحيحاً معتدلاً إلا في الصلوات، ومقارئ القرآن، حيث لا متسع للألسن أن تبدّل أو تحرّف، ثم عند طائفة من أهل اليمن سمعتهم، وأخرى من أهل العراق. ولم أسمع القاف في مصر تُنطق على وجهها الأصوب إلا في حوار لأحد المسنّين من برج مغيزل شمالي مصر كان ينطق فيه القاف معتدلة مستوية، فأمّا فيما سوى ذلك فالحناجر فيه مختلفة كاختلاف قلوب أصحابها. لكنّي لا أزعم أنّ عندي منتهى العلم بالقاف العربية، ولعلّ غيري قد بلغه من أمرها ما لم يبلغني، فيكون أعلم بها منّي، فالأمر علم، وفيه سعة.


