شهدتُ أول ندوة نظّمتها سكرتارية أوبك في عام 1969، افتتحها إبراهيم الهنقاري (وكيل وزارة النفط الليبية) في العهد الملكي ورئيس مجلس المحافظين في المنظمة، وأدارها بكل اقتدار اليريو بارا من فنزويلا، أحد من تعاقبوا على وزارة المناجم والهيدروكربون في بلاده. كان من أبرز المتحدثين في تلك الندوة فؤاد روحاني، أول أمين عام للمنظمة، وتوم ستوفر (جامعة هارفرد)، والمرحوم فاروق الحسيني رئيس الإدارة الاقتصادية بالمنظمة في ذلك الوقت.
من أبرز الرسائل التي خرجت من الندوة استعداد الدول الأعضاء للحوار مع المستهلكين.
أما آخر نسخة من الندوة حضرتها فهي الثامنة عام 2023، بدعوة من معالي الأمين العام الأخ هيثم الغيص، وقد لفت نظري بحضوره القوي مقارنةً بمن عاصرتهم ممن سبقوه، وهي ملاحظة سجلتها في مقال عن الندوة نشرته هذه الجريدة في 17 يوليو 2023، ومما قلته:
"هنيئًا لأوبك عيدها الثالث والستين، وهنيئًا لها بأمين عام على هذه الدرجة من الكفاءة والمعرفة".
أما النسخة التاسعة التي انعقدت خلال الفترة 9-10 يوليو من هذا العام تحت شعار:
"لنرسم المسارات معًا" — Charting Pathways Together: The Future of Global Energy
فقد فاتتني للأسف بسبب ظرف عائلي طارئ اضطررت بسببه للعودة إلى الرياض صبيحة يوم الافتتاح، لكنني تابعتها من خلال ما يردني من المشرفين على الندوة.
أتفق مع من يعزو نجاح الندوة إلى فرسي الرهان: الأمير عبدالعزيز وزير الطاقة في المملكة العربية السعودية، وهيثم الغيص الأمين العام، وأحمد لهما كل ما أضافوه من أفكار ورسائل تلخّص ما تمرّ به قضية الطاقة من تحوّلات كما تراها الدول الأعضاء في المنظمة.
كان الشعار العريض والهدف الأصعب للندوة: "إن الموضوع الذي تحاول الندوة معالجته هو كيف يمكن التغلب على عدة تحديات هي: أمن الطاقة، وتعزيز الحصول على الطاقة للجميع، والتخفيف من فقر الطاقة، مع تخفيض الانبعاثات".
أما في الموائد المستديرة عالية المستوى 2، 3، 4، فقد تكرّرت نفس الأهداف وإن اختلف الأسلوب، لكن الجديد والمهم هو التأكيد على اجتثاث فقر الطاقة — Eradication of Energy Poverty، وهي المرة الأولى التي ترد الإشارة إلى فقر الطاقة بنفس الصياغة الحرفية التي وردت في البيان الختامي لقمة أوبك الثالثة التي استضافتها الرياض في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 (الفقرة السادسة من الفصل الثاني من بيان القمة). ومع تقديري التام لكل من شارك في تعميق هذه المفاهيم ومحاولة تحويلها إلى أهداف ملموسة، إلا أنني أخص بالشكر الجزيل الأمين العام، إذ من الواضح أن حماسته وإيمانه بتلك القضية العادلة وراء كل ما خرج به من شارك في الندوة.
نأتي الآن إلى زبدة الهرج كما قال الشيخ راكان بن حثلين، وهي كلمة الأمير عبدالعزيز بن سلمان. لقد أعاد الأمير التأكيد على الجانب الأخلاقي لقضية فقر الطاقة كما سبق له أن فعل في الهند عام 2023، وإذا علمنا أن الأمير هو الذي أشرف على إعداد البيان الختامي لقمة أوبك الثالثة، فهو الآن، استطرادًا لما قاله في الهند، يضيف ما معناه إن قضية فقر الطاقة تزداد سوءًا، وما تنشره الأمم المتحدة من أرقام حول عدد المحرومين من الطاقة النظيفة مشكوك فيه. وضرب مثلاً على خطورة الموقف استمرار وجود ما يزيد على بليوني نسمة في إفريقيا وآسيا ممن يعتمدون في معاشهم اليومي على الوقود التقليدي، وهو الحطب و"الجَلّة" (روث البهائم)، وما يسببه من وفيات بين النساء والأطفال، تقدّرهم منظمة الصحة العالمية بما يصل أحيانًا إلى أربعة ملايين نسمة في السنة.
هذه القضية الإنسانية الأخلاقية تتصدى لها حكومة المملكة العربية السعودية من خلال الفرق العاملة في إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وكل ما يحتاجه المجتمع الدولي، يقول الأمير، هو تضافر الجهود لحل هذه المعضلة.
إن ما ورد في كلمة الأمير من حماسةٍ وحزم وصدق لحل هذه القضية يجعلني أحلم بأن تُخصص لهذه القضية مساحة أوسع في النسخة القادمة من الندوة، مع ما ينطوي عليه ذلك من ورش ومتابعة داخل الأمانة العامة.