"كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن"
المهاتما غاندي
كمواطن أو كمستوطن في أي بلدٍ كان، أن تكون مع الدولة في تحقيق العدالة، وتكون نصير الدولة في تطبيق القوانين التي لا تتعارض مع ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومعنياً بالحفاظ على الأملاك العامة والخاصة، وعاملاً على إشاعة السلام والأمان والطمأنينة شيء، أما أن تكون فقط مع أجهزة أمن السلطة من أجل ترهيب الناس، وإنزال العقوبات العشوائية بمن لا يتوافق مع هواك السلطوي، ومتلهفاً لفرض القوانين المزاجية، واستغلال السلطة لتحقيق المآرب الشخصية أو العشائرية أو العائلية فهو شيء آخر.
ففي سوريا وللأسف، فطوال سنوات حكم الأسدين وفي الوقت الحالي كذلك الأمر، ما يزال المجتمع السوري مبتلى بفئة تعشق التسلط وأهل السطوة، وعلى الدوام تحمل سيف السلطة في الباطل قبل الحق، في الجور قبل العدل، وفي الممارسات الهمجية والعدوانية قبل السلوكيات الحضارية. وهذه الفئة لها قدرة عالية على التكيّف مع أي رئيس جديد أو سلطة جديدة، طالما أن حلمها وهدفها الأساس أن تتكلم بلغة عنجهية وفوقية واتهامية باسم السلطة، وتغلّف كل نتانتها ومقابحها السابقة واللاحقة بهندام السلطة، ومتى ما عنَّ على بالها الغطرسة وتاقت للإجرام، فتهوي على رؤوس الأوادم بساطور تلك السلطة.
وبخصوص ما يجري في الساحل السوري الجميل، فبالرغم من أنَّ وزير الداخلية السوري، أنس خطاب، نفى يوم الثلاثاء أن تكون الحرائق مفتعلة في الساحل السوري، وذلك بعد اشتعالها لليوم السابع على التوالي، والذي قال في تصريحاتٍ صحافية: "وضعنا حواجز بالطرق الفرعية وحاصرنا المنطقة، ولا يوجد دليل أن الحرائق مفتعلة"، مع ذلك، فالذباب الإلكتروني مستمر في بث الاتهامات يميناً وشمالاً. فمرةً يتهمون عموم الإخوة العلويين بالحرائق، ومرةً أخرى يتهمون ما يسمونهم بفلول النظام، ولا نعرف ما إذا كان بالفعل بقي شيء اسمه فلول أم أنهم مختلقون كذريعة للضرب بيدٍ من حديد أي منطقة يشيرون إلى وجود الفلول فيها، كما كان النظام البعثي السابق يفعل باستمرار، حيث إنه على مدار سنوات طويلة، وبحجة الخلايا الإخوانية، كانت الأجهزة الأمنية تقتحم البلدات والقرى وتعتقل من تشاء بناءً على تلك الشماعة أو الذريعة.
ولا يُخفى على المُبصر الدور السلبي لبعض المؤثرين على السوشال ميديا ممن أفسحت السلطة المجال لهم والتقت ببعضهم بُعيدَ سقوط النظام، إضافةً إلى أن هذه النوافذ الإلكترونية التي تبث البغض والكراهية وتحرض اليوم الهوام المنتشر في منصات التواصل الاجتماعي على العلويين، فهي نفس الفئة التي هاجت وماجت وحرّضت العوام على الكرد، ولكن باسم محاربة قسد، إلى أن اختفى نعيقها بعد توقيع الاتفاق بين الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي. وبعدها نفس الفئة حرّضت على الإخوة الدروز بشمّاعة تعامل قسم منهم مع الإسرائيليين، واليوم حيال ذلك الاتهام أقفل أصحاب الاتهامات من فيلق الذباب الإلكتروني والنشطاء والإعلاميين أفواههم بحجر الواقع المُرّ بعد أن تداولت وسائل الإعلام الاتفاق المحتمل بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل!
وعلى الأغلب، أن هذه الفئة ستستمر في التحريض على هذه الشريحة أو تلك، بما أنها لا تعتاش إلا على أخبار الخطف والقتل والخراب والدمار، ومن الطبيعي أن ينزلق معها في الفضاء التقني من يلتقي معهم باختزان الحقد والكراهية، ومن يطبطب لهم على بث السموم، ومن يتكاتف معهم في إهانة الآخرين، ومن يشجعهم على المضي بنفس الوتيرة، إضافةً إلى كل من لا يطيب له العيش في الأجواء المستقرة الخالية من الشحن الطائفي أو الديني أو القومي.
لذا، لن يكون مقالي هذا موجهاً لمن يحملون سيف السلطة الحالية ويودون فرض سلطانهم بالعنف والإكراه أو ترهيب الناس وتخويفهم بجز الرقاب بذلك السيف، وذلك باعتبار أن الكثير ممن يسارعون إلى حمل سيف السلطة واستخدامه ضد الآخرين، كانوا من حملة سيف النظام السابق، ومن يزاودون في إظهار الولاء المطلق للنظام الحالي وافتداء الوطن وتقديس العلم وتبجيل الهوية الجديدة لذلك القطر باسم بني أمية، اليوم كانوا يزاودون بالأمس في كل الميادين والساحات باسم الولاء للأسد. فهم من حاشية المنتصر قولاً واحداً، فاليوم يدّعون بأنهم من سلالة بني أمية للالتصاق أكثر بالنظام الجديد بغرض الامتيازات التي قد تُمنح لهم مقابل التطبيل والتزمير وتخوين كل من يخالفهم، وفي الأمس كان الكثير منهم من بني السلطة الأسدية ويفترون على الناس ويفتكون بهم باسم السلطة الأسدية، بما أنهم مغرمون بالسلطان القوي وديدنهم محاباة السلطة في كل زمانٍ ومكان.
وكشخص ينتمي إلى ملة أخرى في سورية، ملة لا تمت بصلة لبني أمية، فسيكون مكتوبي هذا موجهاً لأبناء ملتي ممن أشعلوا انتفاضة 2004 وسبقوا الثورة السورية التي انطلقت في 2011، تلك الانتفاضة التي خمدها النظام وحملة سيوف وسواطير السلطة، أي من كانوا عبارة عن السلف المباشر للكثير من حملة سيف السلطة الحالية، وطلبي من أبناء ملتي الذين آمنوا بفكرة التغيير في البلاد وضرورة إسقاط نظام البعث المستبد، بأن لا يلتفتوا أو يتفاعلوا مطلقاً مع من يبثون سمومهم وينشرون كل ما يدعو للعدوان على الغير باسم بني أمية، من يحرضون الدهماء تارةً على العلويين وتارة على الدروز وتارةً أخرى على المسيحيين، وبأن يتذكروا جيداً بأنَّ مشروع الحزام العربي الذي طبّقه الحزب الحاكم في سورية لا توجد بينهم ولو عائلة علوية أو درزية واحدة ممن قبلوا على أنفسهم بأن يسلبوا بسيف السلطة ممتلكات الكرد في الجزيرة وحتى في عفرين، وليتذكروا بأنه إبان انتفاضة قامشلو 2004، فمن أبدى كامل استعداده مع قوات النظام لغزو الكرد والانقضاض عليهم بساطور السلطة لم يكن بينهم دروز ولا علوية، كما أن التاريخ الأسود لفصائل السلب والنهب وفصائل الخطف والابتزاز والقتل على مدار ست سنوات في منطقة جبل الكرد (عفرين) لم يكن بينهم درزي أو علوي، ولا أريد أن أقول لكم من هم الذين لبوا الطلب الجائر للسلطة وحملوا ساطورها ونفذوا مشروع الحزام العربي في الجزيرة، ومن هم الذين هجموا مع قوات النظام بيوت الكرد في الجزيرة لوأد الانتفاضة ضد النظام السابق، ومن هم الذين ارتكبوا الجرائم بحق البشر والشجر والحجر في رأس العين وتل أبيض وعفرين، فأنتم تعرفونهم جيداً، فهذه الفئة البشرية مستعدة لغزو الآخرين، سواء باسم الدين أو باسم الدولة، ومهيّأة في كل زمانٍ ومكان لأن تكون سيف السلطة، أي سلطة كانت لا على التعيين، لذا، فلا ينبغي الالتفات لخطابها أو التعويل عليها أو الانجرار خلف دعواتها ولو كان المسير نحو الديار المقدسة.