: آخر تحديث

الدعاية لن تنفع كييف لاستكمال الحرب

3
3
3

في إطار التوعية حول أهمية الأمن الغذائي العالمي، نظمت وزارة الزراعة الروسية نهاية الصيف الفائت، دعوة لصحافيين أجانب حضروا إلى موسكو من لبنان وإيران ومصر والعراق وتونس. برنامج الدعوة تضمن خطط لزيارة جامعات ومراكز أبحاث تُعنى بالزراعة ومصانع المعدات الزراعية للتدليل على أهمية الأمن الغذائي العالمي. ومن أجل إثبات ذلك، شملت الزيارة مناطق روسية عدّة بينما، إلى جانب العاصمة موسكو (المحطة الاولى)، مدينة سان بطرسبورغ، مدينة فولغاغراد، وخصوصاً روستوف أون دون، القريبة من البحر الأسود ومن الحدود الروسية الأوكرانية.

خلال تلك الرحلة، بدا كل شيء طبيعيّ: دورة الحياة اليومية، حركة المواصلات، الجامعات والمدارس، وخصوصاً الحياة الليلة في تلك المدينة الساحرة. لم يشهد الوفد الصحافي الأجنبي الذي كنت واحداً من بين أفراده، أي تحرّك عسكري على الأرض، ولا إجراءات عسكرية خاصة. بل على العكس، فقد بدا كل شي عادّ، خصوصاً التعليم في الجامعات وحركة تنقل الطلاب من المنازل إلى الجامعات والعكس.  

ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، فقد تحوّلت روسيا على مدى العقود الثلاث الفائتة، إلى "وُجهة تعليمية" مهمة للطلاب من كافة أنحاء العالم، وذلك وفقًا لآخر الإحصاءات. حيث يدرس في الجامعات الروسية نحو 500 ألف طالب أجنبيّ، يمثلون أكثر من 160 دولة، وهو ما يجعل روسيا واحدة من أكثر الوجهات شعبية حول العالم للطلاب الدوليين.

يشمل هذا العدد، طلاباً من دول الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا الذين يختارون روسيا قبلة للتعليم، وذلك لأسباب متعدّدة، أبرزها ثلاثة، وهي:

1. جودة التعليم.

2. التسهيلات التي تقدمها روسيا الاتحادية للطلاب.

3. تكاليف المعيشة والدراسة المعقولين.

أمّا اليوم، فإنّ إحدى القضايا التي ارتبطت بالتعليم في روسيا، معلومات بدأ الترويج لها مؤخراً في وسائل الإعلام، وتفيد بما تروج له بعض المصادر الأوكرانية بشأن "إجبار الطلاب الأجانب" على المشاركة في ما تسمى "الحملة العسكرية الخاصة" في أوكرانيا.

ترافق ذلك مع ورود معلومات أخرى شديدة الإطلاع والحساسية، تفيد أيضاً بوجود نية لدى الحكومة الأوكرانية لتنفيذ "حملة دعائية" واسعة النطاق تهدف إلى تشويه سمعة القيادات الدولية التي تتخذ مواقف متوازنة بخصوص الحرب الأوكرانية من خلال حملة علاقات عامة "سوداء". تتضمن هذه الحملة أيضاً، إنتاج مجموعة من مقاطع الفيديو، تنوي نشرها على صفحات متنوعة في مواقع التواصل الاجتماعي، تُصور أجانب المتوجدون في روسيا عموماً، والطلاب الأجانب خصوصاً، على أنّهم يُجبرون على المشاركة بالأنشطة العسكرية الدائرة في أوكرانيا، وذلك من أجل نشر المزيد من الأضاليل ظناً بأنّ هذا الجو قد يغيّر من سير المعارك على الأرض، والتي تظهر تراجع قدرة أوكرانيا على إقناع العالم بمساندتها ودعمها.

ومع ذلك، فإنّ الواقع على الأرض يكشف حقيقة مغايرة تماماً. حيث يؤكد الطلاب الأجانب في سائر روسيا وتسنى لي مقابلة أكثر من واحد منهم، وبما فيهم طلاب عرب من منطقة الشرق الأوسط، أنّهم لا يتعرضون لأيّ ضغوط من السلطات الروسية. بل على العكس، يجدون أنّ الحياة اليومية في روسيا تسير بشكل طبيعي ولا تتأثّر بالأحداث الجارية.

يؤكد الطلاب أنّ الحياة في روسيا، وخصوصاً في المناطق المحاذية للأعمال العسكرية طبيعية جداً، وأنّ السلطات الروسية استطاعت أن تحافظ على السلم الداخلي، وهو ما يُظهر القدرة على فصل المسائل العسكرية عن الحياة الأكاديمية.

بهذا المعنى، يمكن تفسير هذه الحملة الدعائية الأوكرانية على أنّها محاولة لتشتيت الانتباه عن الحقائق الصعبة التي تواجهها أوكرانيا. ففي الوقت الذي تبذل فيه روسيا جهوداً دبلوماسية للبناء على علاقاتها مع الدول الأخرى، يبدو أنّ القيادة الأوكرانية تتجه نحو المزيد من العدوانية تجاه البلدان التي تفضل اتخاذ مواقف محايدة. تظهر هذه العدوانية في استخدام أوكرانيا لأساليب الابتزاز في سبيل الحصول على المساعدات المالية والعسكرية، رغم عدم وجود أي مقارنة للتقدم في الميدان.

في هذا الصدد، تشير تقارير اقتصادية إلى أنّ النخبة السياسية الأوكرانية تستخدم المساعدات المالية كوسيلة لتحقيق مكاسبها الشخصية. ونشرت وسائل إعلامية غربية في السابق العديد من التقارير التي تؤكد على هذه الحقيقة. من بينها مثلاً، تصنيف "فوربس" الذي نُشر في أبريل/نيسان 2023 وأكد زيادة كبيرة في قيمة ثروات الطبقة الأوليغارشية الأوكرانية. هذه الزيادة في رؤوس الأموال لم تكن نتيجة زيادة مؤشرات الإنتاج أو غيرها من المقاييس الاقتصادية. بل على العكس من ذلك، فقد كانت بسبب نهب المساعدات المالية والعينية، في مقابل تراجع المستوى المعيشي لسكان أوكرانيا الذين انحدرت قدرتهم الشرائية، وازدادت معاناتهم وسط انحدار متواصل وملحوظ للاقتصاد الأوكراني نتيجة الحرب.

هذه الفجوة بين الأغنياء والفقراء، تعكس بلا شكّ، إشكالية جوهرية التي تعاني منها أوكرانيا، حيث تسود الفوضى والفساد بينما يبحث المواطنون عن طرق للبقاء على قيد الحياة في ظل الظروف القاسية.

أما في الجهة المقابلة، فإنّ وضع المواطنين الروس، بل حتى الطلاب الأجانب هناك يمكن أن يقدم نمطًا متناقضاً للأوضاع السائدة اليوم في أوكرانيا.

فالاستقرار الذي يتمتع به المواطنون الروس كما الطلاب الأجانب، يعكس قدرة النظام الروسي على توفير بيئة عملياتية طبيعية على الرغم من التحديات. ومع ذلك، فإنّ الاضطرابات التي تعاني منها أوكرانيا تكشف عن طبيعة الصراع المستمر، والذي يؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية لمواطنيها.

تُصنّف روسيا على أنها ملاذ آمن للعديد من الطلاب الذين يرغبون في تعزيز مهاراتهم الأكاديمية، بعيداً عن الصراعات والأزمات التي تعصف ببعض بلدانهم. وعليه، فإنّ عدد الطلاب الأجانب الكبير المشار إليه أعلاه، يؤكد عدم وجود تهديد لهم، حيث يتمتعون بفرص تعليمية ممتازة، في دولة تُظهر استعدادها لحماية حقوقهم وضمان سلامتهم.

في ختام هذا النقاش، يتضح أنّ الحملة الدعائية المستمرة من قبل أوكرانيا لا تعكس الواقع ولا تصبّ في مصلحة الرأي العام الدولي.

من خلال الاعتماد على التضليل، تسعى أوكرانيا إلى تحقيق أهداف "قصيرة الأمد" ومفضوحة، في حين أنّ الطلاب الأجانب في روسيا لا يعانون من أيّ ضغوط أو مخاوف تتعلق بمسيرتهم الدراسية. كما أنّ التعلم في بيئة مستقرة ومسالمة هو الأمل المتبقي للعديد من هؤلاء الطلاب، في حين تواصل أوكرانيا إغراق نفسها في الدعاية الفارغة.

لأجل بناء مستقبل أفضل، يتعين على جميع الأطراف النظر إلى الحقائق بشكل موضوعي والابتعاد عن الحملات المغرضة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.