في صباح ذلك اليوم الذي وافق الثامن والعشرين من شهر ديسمبر، كان هذا التاريخ مميزاً لأي موظف في شركة الزيت العربية "أرامكو السعودية" حالياً، كانت فرحتي عامرة إذ أمتلىء رصيدي بثلاثة رواتب كاملة بالإضافة إلى مرتب الشهر، وهذه الهدية السنوية يطلق عليها "بدل السكن" ولأن رئيسها في ذاك الحين الأستاذ عبدالله جمعة الذي وافق على قرار زيادة بدل السكن بدلاً من راتبين إلى ثلاثة رواتب، حتى اطلقنا حينها على رئيس الشركة بن جمعة "وجه الخير" بسبب العديد من القرارات التي كانت تصب في صالح الموظفين والموظفات على الأخص ،حينما تم الإعلان عن تمكين المرأة الموظفة في الإقرار بأحقية حصولها على قرض لشراء منزل حالها كحال الموظف الرجل، بن جمعة لا يعلم كم هذا القرار قد غير الكثير من حياة الأسر السعودية، وبالذات اللواتي كن يتحملن مسؤولية الصرف على أسرهن بسبب وضعهن المادي، الذي لا يحتمل أن يشتري سكناً لهذه الأسر، وكنت شاهدة على سعادة العديد من الموظفات اللواتي من بعد اصدار القرار هرعنا ركضاً في البحث عن منازل جديدة وجميلة، فشكراً لهذه الشركة العظيمة على كل ما قدمته لموظفيها وما قدمته للمجتمع المحلي.
في ذلك الصباح الباهر التقيت بزميلتي هيفاء، وكانت تتشاغب ضحكاً وفرحاً، وفي عينيها حديث طويل لا ينتهي، بل تصرخان بعلو الصوت عن سعادتها بخطبتها وببدل السكن، كانت هيفاء قد بلغت الثامنة والعشرين من عمرها، أما أنا فكنت حينها انتظر يوم العاشر من شهر فبراير لأحتفل بعامي الخامسة والعشرين، اقترحت علي هيفاء أن أشتري غرفة نوم جديدة من محل شهير في مدينة الخبر، وهمست لي وهي تضحك "ستكون فال خير عليكي ومن الممكن ان تخطبي بعد شرائها" وكانت تعني به نفسها وصديقتها التي خطبت بعد شراء غرفة النوم هذه خصيصاً، وكانت مصنوعة من الخشب المائل إلى اللون الوردي، كانت باهظة الثمن حتى ساعدني والدي حينها بدفع جزء من المبلغ، وكل ذلك فعلته لأني صدقت ما قالته لي هيفاء، لازلت أذكر أني سألتها ماذا لو اشتريتها وبعد شهر أو شهرين خطبت؟ فماذا سأفعل حينها؟ دنت بقربي وهمست قائلة "إذاً تأخذها شقيقتك التي تصغرك حتى يكتب لها الزواج هي الأخرى".
بعد مرور عدة أعوام، كان علي أن أحتفل بعيد ميلادي الثامن والعشرين، ولم أنجح في الحصول على زوج المستقبل، حتى بعد أن اشتريت أغلى غرفة نوم، لعلها تفتح أمامي أبواب جديدة لحياة مختلفة مع زوج المستقبل.
هيفاء تزوجت في عمر الثامنة والعشرين، وحينما جاءت كعادتها إلى مكتبي في الشركة، فقدت السيطرة على نفسي وبكيت بكاءاً حاراً، لا أعرف من أين اتيت بكل هذه الدموع، التي خرجت من قلبي وأصابع كفي وصدري وقدمي، هونت هيفاء علي وأخذتني في حضنها وكل ما كنت أردده على مسمعها "عامين وأبلغ الثلاثين وسيسميني من حولي الآنسة العانس"، قلب هيفاء رهف لعباراتي وجملي القاسية على ذاتي المسكينة.
"لن انتظر أحدهم وسأعيش عامي هذا وحتى آخر قطرة من حياتي في سعادة وحبور، ولن انتظر أحداً".
قررت كل عام أن احتفل بيوم مولدي في السفر إلى أماكن مجهولة على سبيل المثال، والتقاط العديد من الصور لمغامرات متعددة ومتنوعة، وبعدها بدأت الكويت تشتعل باحتفالاتها لشهر فبراير، فكنت اقطع تذكرة لحضور حفلة اياً كان الفنان، والتقط العديد من الصور في هذا اليوم المتميز في حياتي، حتى اصبح لدي ملف هائل من الصور في أعوامي المتغيرة.
صور والدي يرحمه الله مع حليم وشادية ومحرم فؤاد دفعتني للنظر في تكوين حياتي القادمة. لذا، حينما بدأ موسم الرياض كنت اشجع من حولي لحضور الاحتفالات وتكوين حياة في غاية التميز، لأنكم حتماً ستشتاقون اليها في يوم من الأيام، لا تتركوا حياتكم دون فرح أو مغامرة، هيئة الترفيه بالسعودية تقدم لنا حياة جديدة مطعمة بالحب والشقاوة والجرأة.
بالتأكيد لن أخبركم عن العام الذي ولدت فيه، ولكني أخبركم أني تخلصت من غرفة النوم الوردية، بعد أن قررت العودة للعيش بشكل كامل في السعودية، وتركت قلبي في دبي، واضطررت حينها على وداع الغرفة القديمة واستبدالها بغرفتي التي احضرتها من دبي، وهي الآن ملكاً لأبنة شقيقتي التي لم تتزوج بعد.
ولا زلت حتى هذه اللحظة اعيش يوم ميلادي بصورة عبثية جديرة بالشغف.
أما ما حدث لهيفاء فهو أشبه بقصص مسلسلات هبه حمادة، انجبت ثلاثة أطفال وانفصلت عن زوجها واعتزلت عالمها القديم.