كان الحوار التلفزيوني الرمضاني الذي ظهر فيه معالي وزير الإعلام السعودي الأستاذ سلمان بن يوسف الدوسري مع الزميل الأستاذ عبدالله المديفر عبر البرنامج المميز (الليوان) الذي بُثّ عبر قناة روتانا خليجية، كان هو الأول لمعاليه منذ توليه وزارة الإعلام في الخامس من آذار (مارس) عام 2023، ولذلك – وكما كان متوقعاً – استمتعنا بحوارٍ ثريّ وعميق، لامسَ معاليه فيه عدداً من المواضيع التي تهم العاملين في قطاع الإعلام والمهتمين به، ولا أخفيكم سرّاً بأنه مع كل محور في الحوار تقفز لذهني عدة تساؤلات ومقترحات، لا أعلم حتى ساعة تحرير هذه السطور كم من المقالات التي سأكتبها لترجمة تلك التساؤلات.
على أية حال، لا يخفى على معشر المتابعين بأن معالي الوزير يتكئ على خبرة طويلة في التحليل السياسي عبر مشواره الصحفي الحافل، فعندما يتحدث معاليه عن هذا الموضوع بالذات فإنه ينطلق من تراكم سنوات العطاء التي أكسبته تجربة فائقة المهنية والموضوعية، لذلك كانت إجابته وافية على سؤال المديفر: متى يكون التحليل السياسي سيئاً؟! حيث عدّد معاليه عدة نقاط في هذا السياق، لعلّي ألخّصها في النقاط التالية:
أولاً: رأى معالي الوزير الدوسري بأن واحدة من مثالب التحليل السياسي هي الشعبوية، رغم أنها تكون لذيذة في بدايتها، لكنها مُدمّرة للمحلل السياسي في نهايتها، إذ إن نقل ما يريده الجمهور عملية صعبة، فالمحلل مطلوب منه أن يُسمع الجمهور الرأي الموضوعي وليس العاطفي.
ثانياً: قال معالي الوزير بأنَّ من الصفات السيئة في التحليل السياسي استخدام العاطفة؛ إذ إن التحليل السياسي يعتمد بشكل أساسي على العقلانية، أما استخدام أسلوب العاطفة فمشواره قصير، لذلك سرعان ما ينكشف المحلل السياسي الذي يعتمد عليه.
ثالثاً: حذّر معاليه من ترك الانطباعات الشخصية لتؤثر على المواقف السياسية للمحلل، فالانطباع عن دولةٍ ما أو حزبٍ ما أو عن قضيةٍ ما، سيضعه في موقف محرج عندما تتغير الظروف السياسية، خصوصاً عندما يتمسك بانطباعاته الشخصية ويريد إثبات صحتها، فهذا الأسلوب قاتل للمحلل السياسي، وهو ما وصفه المديفر في الحوار بـ(التحليل السياسي الرغبوي).
رابعاً: شدد معاليه على ضرورة احترام التخصص، لأنَّ عدم احترامه يعد من مثالب التحليل السياسي، فمن الصعوبة بمكان أن يحلل شخص واحد أكثر من تخصص، حتى في الجانب السياسي هناك أكثر من تخصص.
خامساً: أوصى معالي الوزير بأن لا يقف المحلل عند حدود التعليق على الأخبار فقط، فالتحليل السياسي يعني أيضاً الغوص في الأحداث السياسية، وإظهار وكشف المواقف وإلى أين ستتجه، فالمُتلقي ينتظر من المحلل السياسي أن يخبره ما الذي سيحدث، وما هي التأثيرات والسيناريوهات، الأهم في الموضوع أن لا يقطع المحلل بالتنبؤ، فالتنجيم السياسي قد يوصف بأي وصف، لكنه قطعاً لا يُسمى تحليلاً سياسياً. المحلل السياسي في الواقع هو مفسّر للأحداث عندما يربط التصريحات مع المواقف، وإذا لم تكن هناك ثقافة ومعرفة بالتاريخ والجغرافيا، فلن يستطيع المحلل الوصول لنتيجة مقنعة.
سأتوقف قليلاً عند جزئية التخصص التي أثارها معالي الوزير، والحقيقة ستكون مبادرة مميزة من معاليه إذا تم ترتيب خروج المحللين السياسيين السعوديين بحسب اختصاصهم واهتمامهم، فمثلاً كاتب صحفي ما اهتمامه مُنصبّ فيما يتعلق بمجلس التعاون الخليجي، لماذا لا تتاح له فرصة التحليل السياسي عند انعقاد اجتماعات القمة للمجلس الأعلى، وكذلك الاجتماعات الوزارية لوزراء الخارجية، وكل ما يتصل بشؤون مجلس التعاون؟ والكلام نفسه يقال في الكاتب الصحفي المهتم بالشؤون العربية، يتاح له المجال بالتحليل في اجتماعات القمة العربية، وكل تجمع ينعقد في إطارها، وكذلك الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون الدولية، يتم طلب رأيه في الاجتماعات الدولية، بحيث يكون هناك تناغم بين المحللين السياسيين، كلٌّ في مجاله، ولضمان خروج المشاهدين الكرام بمادة عميقة من كُتّاب تشرّبوا تلك المواضيع وفق تخصصاتهم.
أعلم أنَّ هناك تنسيقاً معمولاً به الآن، لكن الطموح للكمال، والإمعان في جودة المحتوى، يعد علامة مميزة للاحترافية العالية، والحديث نفسه يقال بالنسبة لاختيار مذيعي التلفزيون الذين يتصدون للبث الحي والمباشر عند استضافة المملكة للاجتماعات الإقليمية والدولية، حيث يُفترض أن يكونوا على علم ودراية بأسماء الشخصيات، رؤساء الوفود، وألقابهم المعتمدة وفق البروتوكول الدولي، وبالتالي إذا لم يكن لدى المذيع ثقافة واطلاع في هذا الميدان تسعفه أثناء البث المباشر، ربما ستكون العواقب وخيمة، خصوصاً عندما يقع في خطأ غير مقصود في نُطق اسم الشخصية أو المنصب أو اللقب، بسبب قلة الخبرة.
الحديث ذو شجون، وإلى الملتقى مع محور آخر من حديث معالي الوزير، والله ولي التوفيق.