لم يسبق أن تنفّس العالم عموماً وبلدان المنطقة خصوصاً الصعداء كما تنفّسوا بعد انتهاء حزب الله اللبناني عسكرياً وسقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، وهذا التنفّس الذي تزامن معه شعور بالاطمئنان والراحة قد جاء لأن شوكة النظام الإيراني قد انكسرت، ولم يعد بإمكانه أن يمارس الدور السلبي الذي كان يمارسه قبل الحدثين المهمين اللذين أُشير إليهما آنفاً.
النظام الإيراني الذي اعتمد وبصورة أساسية على ركيزتين، إحداهما: التدخلات في بلدان المنطقة وإثارة الحروب والأزمات فيها، أما الأخرى فهي قمع الشعب الإيراني ومصادرة حرياته. لكن من المهم هنا الانتباه إلى أن النظام الإيراني قد راهن كثيراً على عامل التدخلات في المنطقة إلى الحد الذي كان يستقوي به ليس على المنطقة والعالم فحسب، بل وحتى على الشعب الإيراني، حيث هدّد رجال دين نافذون خلال خطب الجمعة الشعب الإيراني من أنه إذا ما انتفضوا بوجه النظام، فإن الأخير يتقدّم الميليشيات التابعة له في بلدان المنطقة ليقوموا بمواجهتهم وقمعهم!
صحيح أن الشعب الإيراني كان ولا يزال المبتلى الأساسي بشرور ومساوئ هذا النظام ويدفع ثمناً باهظاً من أجل ذلك، لكن لا يجب أن ننسى أبداً المصائب والمآسي والويلات التي جلبها هذا النظام على شعوب وبلدان المنطقة جراء تدخلاته فيها وتأثيراته بالغة السلبية على الأمن والاستقرار فيها. بل إن إجراء عملية مقارنة بسيطة بين الأوضاع في المنطقة في الفترة التي سبقت تأسيس هذا النظام والفترة التي تلت ذلك، فإننا نجد أن الفترة التي سبقت ظهور هذا النظام كانت هادئة ومستقرة وآمنة، ولذلك فإن شعوب وبلدان المنطقة نظرت ولا تزال تنظر إلى النظام الإيراني بمثابة أكبر عامل تهديد للأمن والاستقرار فيها. وإن هزيمته غير العادية في المنطقة، بنهاية حزب الله اللبناني عسكرياً وسقوط نظام بشار الأسد، قد كان يمثل بداية عهد جديد من شأنه أن يؤثر على الأوضاع في إيران ذاتها.
الآن، وبعد أن وافق النظام الإيراني وعلى مضض على التفاوض مع الولايات المتحدة، وانكشف للعالم كله كذب وزيف التصريحات المتشددة التي كان يؤكد فيها على عدم استعداده للتفاوض في ظل التهديدات الأميركية، وتبيّن وبكل وضوح أن كل ما قد أطلقه من تصريحات نارية ضد الأميركيين وعن إصراره على المحافظة على برنامجه النووي المشبوه لم تكن إلا مجرد هواء في شبك، فإن على بلدان المنطقة أن يعلموا جيداً بأن النظام الإيراني ليس في أضعف حالاته فقط، وإنما توضحت أيضاً هشاشته. وإن من صالح الجميع (شعوب المنطقة والشعب الإيراني والعالم أجمع) أن لا يعود هذا النظام أبداً إلى سابق عهده ويعود مجدداً للتنمّر على المنطقة، ولذلك فمن الضرورة الملحة الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة التي لا يمكن أن تُعوّض، والمساهمة في تغيير مجرى الأحداث والتطورات بشكل حاسم لصالح شعوب المنطقة والشعب الإيراني والعالم. وهو أمر لا يتم إلا بدعم وتأييد النضال المشروع من أجل الحرية والتغيير في إيران، ولا سيما أن الظروف والأوضاع ملائمة لذلك، لأنه السبيل الوحيد الذي يقطع طريق العودة على هذا النظام وإلى الأبد.
وذلك لا يتحقق إلا بدعم ومساندة النضال المشروع من أجل الحرية والتغيير في إيران، خاصة في ظل الظروف والأوضاع المواتية الراهنة، لأنه السبيل الوحيد الذي يقطع طريق العودة على هذا النظام إلى الأبد. الآن، في هذا المنعطف التاريخي الحاسم، يقع على عاتق المجتمع الدولي والقوى التقدمية الإيرانية، وفي القلب منها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وقيادة السيدة مريم رجوي بصفتها الرئيسة المنتخبة لهذا المجلس لفترة الانتقال، واجب ومسؤولية جسيمة لرسم مسار، بتضافر الجهود والعمل المتواصل، لا يمنع عودة شبح الاستبداد فحسب، بل يبشّر بإيران حرة ومزدهرة ومتناغمة مع السلام والاستقرار الإقليميين. فهل ستنتصر الإرادة الجماعية هذه المرة على المصير المظلم؟ الجواب يكمن في عملنا الحازم والشامل اليوم.